أبـو نــواف
12-20-2008, 01:07 PM
حق الــــــجــــــيـران :
إعتاد أهلُ قرية (عين المحبة) أن يجتمعوا في ساحةِ القرية بعد صلاة الجمعة فإن كان لأحد عند أحدٍ
مَظْلَمةٌ , حّكموا بينهما رجلاً سمّوه باسم (قاضي الجيران) .....
وقد مرّ عليهم فترةٌ طويلةٌ من الزمن لم يتقدمْ أحدٌ منهم بشكوى إلى هذا القاضي , فكلُّ واحد من أهل
القرية عَرَفَ مالَه وما عليه , من الحقوقِ والواجبات وأدرك أن السعادةَ والسلامةَ مرتبطتان بالوقوف عند
الحق , والالتزامَ به .... وظَلُّوا على هذه الحالِ حتى سَكَنَ في قريتهم رجلٌ من قريةِ أخرى , فكثُرَتْ عليه
الشَّكاوى , وضَجَّ الجيرانُ من معاملتِه ؟!
لم يكنْ هذا الرجلُ الغريبُ يعرِفُ سبباً لتضجُّرِ الناس منه , والابتعادِ عنه . وفي أحدِ الأيام عاد القاضي
إلى قرية ( عين المحبة) , فوجد الناس متذمرين من الرجل الغريب , وطلبوا أن ، تُعقد المحكمة قبل
الصلاة , على غير العادة وافق القاضي , وحضر الرجلُ الغريبُ , وأجتمع أهلُ القرية , فوجد القاضي أكثرَ
من شكوى على ذلك الرجلِ , فقال مخاطباً نفسه : لعل ذلك الرجلَ قتل الأبرياء , وسرق الأموال , وأعتدى
على الأعراض , وعلى كل حال لا أستطيع أن أنطقَ بالحُكْم مالم أستمع من المتخاصمين جميعاً .
تقدم المشتكي الأول وقال : أيها القاضي المحترم , إنَّ هذا الجارَ لا يعرِفُ لي حقاً !! . إندهش الرجلُ
الغريبُ , فهو لا يذكر أنه اعتدى عليه أو أكل ماله !! .
قال القاضي : وماذا فعل ؟ .
قال المشتكي : لقد طلبتُ منه أن يُعينني على رَفْعِ كيسٍ من القمح , فنظر إليَّ باستغراب , ودخل بيته .
قال القاضي : هذه واحدة , وماذا أيضاً؟!
قال : وطلبتُ منه أن يُقرِضَني مبلغاً من المال فرفض .
قال القاضي : وماذا أيضاً ؟ أذُكرْ كلّ مالديك .
قال : ومرضتُ أسبوعاً فلم يأتِ لزيارتي , ونجح أبني فلم يشاركني في فَرْحتي , وتوُفي والدي فلم يطرُق باب منزلي ليُعَزَّيني ويخففَ عني , ولم يخرجْ معنا إلى المقبرة .
قال القاضي : هل لديك شيء آخرُ ؟؟!
قال الرجل : ليس لدى شيءٌ آخر أقوله,ولا أريد أن أتهمه بما لم يفعل .
قال القاضي : بارك اللهُ فيك , فإن اتهاَم الناس بما لم يفعلوه يُوجِبُ غَضَبَ الله تعالى .
ألتفت القاضي إلى الرجل الغريب وقال : هل ماقاله جارُكَ صحيحٌ ؟ .
قال الغريب : نعم ! أيها القاضي , ولكنني لم أعتدِ عليه , ولم أضرِبْه , ولم أدخُلْ بيتَه بغير إذنه , ولم أقطعْ غُصناً من أشجار بستانهِ ولم أقترِضْ منه مالاً , وأُماَطلْ في الدفع ... فكيف يقول إنني لا أعرف حقَّه؟!!
قال القاضي : كلُّ ماذكرَته طيَّبٌ وحَسَنٌ , ولكن لا يكفي عَدَمُ الاعتداءِ على الجيران , حتى يُعَدَّ ذلك إحساناً إليهم . فربما كانوا محتاجين لمعونةٍ أو لمالٍ , وعندما تمَتِنعُ عن إعانتهم وإقراضِهم , تكون قد أعنَت المصائبَ والفقرَ عليهم . فهل ترضى بذلك ؟؟ .
قال الغريب : بالطبع , لا أرضى ! .
ثم طلب القاضي مِنْ رجلٍ آخر أن يتقدم ليستمعَ شكواه , فتقدم رجلٌ كبيرٌ في السن , وقال : أيها القاضي أنْصِفْني مِنْ هذا الجار , إنه يؤذيني في الليل والنهار , لقد نغّص عليّ حياتي , وحرّض عليّ أبنائي , وكاد يُقْدُِني سعادتي في منزلي .....
تعجَّب الرجلُ الغريب مما قال الرجلُ العجوزُ , فهو لا يكاد يراه في الاسبوع مرةً , وهو لا يذْكُرُ أنه تَدَّخَلَ في شؤون حياتهِ , ولا كلمَّ أولادَه لكي يُزْعِجوه ..
نظر القاضي إلى الغريب وقال : هل هذا الكلامُ صحيحٌ ؟ .
قال الغريب : أيها القاضي ! إنني لا أذكرُ شيئاً ممَا يقوله هذا الرجلُ فهل لديه دليلٌ؟!
قال القاضي للمشتكي : هل لديك دليلٌ أيها الرجل ؟ .
قال الرجل العجوز : نعم .. نعم أيها القاضي , عندي ثلاثةُ أدلةٍ .
قال القاضي : عدّدْها , واذْكُرْها لنا
قال العجوز : مَنْ مالك الشمسِ والهواء ؟ .
قال القاضي : الله ربُّ العالمين , خالقُ كل شيء .
قال العجوز : فكيف إذَنْ يمنعُني هذا الرجلُ منهما ؟!! .
قال القاضي : وكيف ؟ .
قال العجوز : لقد رفع بناءَه , وأعلى جدراَنه , دون أن يطلُبَ مني إذْناً بذلك . وقد منع عن داري المتواضعةِ ضوءَ الشمس , وحَجَبَ عني الهواءَ العليل .
قال القاضي : ثم ماذا أيها الرجل العجوز ؟
قال : (وقد دمعت عيناه) إنه يُؤْذيني , ويُشعِرُني بفقري واحتياجي .
قال القاضي : وكيف هذا ؟ .
قال العجوز : إنه يطبُخُ الطعامَ , ويَشْوي اللحمَ , فتنتشرُ رائحةُ الشَّواء , وتنطلِقُ روائحُ الطعام , مما يجعلنا نشتهي , ونزهد فيما في أيدينا من طعام قليل , وجاري هذا لا يتذكَّر أننا أيضاً بَشَرٌ مثلُه . ولا يفكَّرُ ـ ولو مرةً واحدة ـ أن يبعَث لنا شيئاً مما طبخ .
بَدَا الحزنُ على وجه القاضي , وتأثَّر الحاضرون , واستحى الرجلُ الغريب من كلام العجوز ,
ثم قال القاضي : هاتِ الثالثةَ .
قال العجوز : إن جاري هذا يشتري فاكهةً كثيرةً وطيبةً , ونحن لا نملِكُ مالاً لكي نشتري , ولو قليلاً منها , فلا يرسل إلينا منها شيئاً , ولا يتذكرنا وهو يُدْخِلُها إلى بيته عَلَناً , وبعد ذلكَ يْخرجُ أولادُهُ , وبأيديهم أنواعُ الفاكهةِ , ويقولون لأبنائي : نحن عندنا الشيءُ الكثير , فهل اشترى أبوكم مثلَها لكم ؟ .
فيغتاظ أبنائي , وينزعجون , ويدخلون باكين إلى المنزل , شاكين لأمهم , محتجين عليّ لأنني لا أشتري لهم , كما يفعل الجيران .
أيها القاضي ! إنني لا أُدَبَّرُ ثمن الخبز إلا بصعوبة , فكيف يُمكِنُني أن أشتريِ الفاكهةَ الطيبةَ الغاليةَ الثمن .. أنْصِفْني أيها القاضي من هذا الجارِ الذي نَغَّصَ عيشي , وأحْرَجَني أمام أبنائي وزوجتي .. نظر الحاضرون إلى وجه الرجل الغريب , وقد احمّر خجلاً , ونظروا إلى عَيْنَي الرجل العجوز , وقد ملأتها الدموعُ ,
والتفت القاضي إلى الغريب يسأله : هل ماقاله الجيرانُ صحيحٌ ؟ .
أجاب الغريب بصوت منخفض : نعم , وإني أستغِفرُ الله مما فعلتُ .
قال القاضي : إن لجيرانك عليك حقوقاً كثيرة , أتدري ماحَقُّ الجار ؟ , قال صلى الله عليه وسلم : «مازال جبريل يوصيني بالجار , حتى ظننت أنه سيورثه»(1), ويروى عنه أنه قال « إذا استعان بك أعَنتْهَ , وإذا استقرضَكَ أقرضْتَه , وإذا افتقر عُدْتَ عليه , وإذا مرض عُدْتَه , وإذا أصابه خيرٌ هَنَّأْتَه , وإذا أصابَتْهُ مصيبةٌ عَزَّيْتَهُ , وإذا مات اتَّبَعْتَ جنازَته , ولا تَسْتَطِلْ عليه بالبنيان فَتَحْجُبَ عنه الريحَ الا بإذنِه , ولا تُؤْذِهِ بقُتارِ قِدْرِكَ إلا أن تغرفَ له منها , وإنْ اشتريتَ فاكهةً فأهْدِ له , فإن لم تفعلْ فأدْخِلْها سِراً , ولايخرجْ بها ولدُكَ ليَغيظَ بها وَلَدَهُ »(2).
قال الرجل الغريب : معذرةً , لم أكن أعرفُ هذا مِنْ قبل .
قال القاضي : لأنك لا تُصلي معنا , ولا تحضرُ خُطْبَة الجمعة لتستمعَ إلى حديثِ رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهنا أذن المؤذنُ لصلاة الجمعة فقام الرجل الغريب مع أهل القرية وهو مصممٌ على ألا تفوتَه صلاةٌ في المسجد , وعلى أن يعرِفَ للجيران حقوقهم ....
الهوامش :
(1) متفق عليه .
(2) رواه الثعلبي والطبراني , قال السّخاوي في المقاصد الحسنة : اسناده ضعيف . وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (2587) .
( اللــــهم أعـــنا عــلــى الــــطـــاعة وعــلـى حــسن جـــوار جـــــيرانــنــا ) آميــــــن
( إنتـــــــــــــــــــــــهى )
إعتاد أهلُ قرية (عين المحبة) أن يجتمعوا في ساحةِ القرية بعد صلاة الجمعة فإن كان لأحد عند أحدٍ
مَظْلَمةٌ , حّكموا بينهما رجلاً سمّوه باسم (قاضي الجيران) .....
وقد مرّ عليهم فترةٌ طويلةٌ من الزمن لم يتقدمْ أحدٌ منهم بشكوى إلى هذا القاضي , فكلُّ واحد من أهل
القرية عَرَفَ مالَه وما عليه , من الحقوقِ والواجبات وأدرك أن السعادةَ والسلامةَ مرتبطتان بالوقوف عند
الحق , والالتزامَ به .... وظَلُّوا على هذه الحالِ حتى سَكَنَ في قريتهم رجلٌ من قريةِ أخرى , فكثُرَتْ عليه
الشَّكاوى , وضَجَّ الجيرانُ من معاملتِه ؟!
لم يكنْ هذا الرجلُ الغريبُ يعرِفُ سبباً لتضجُّرِ الناس منه , والابتعادِ عنه . وفي أحدِ الأيام عاد القاضي
إلى قرية ( عين المحبة) , فوجد الناس متذمرين من الرجل الغريب , وطلبوا أن ، تُعقد المحكمة قبل
الصلاة , على غير العادة وافق القاضي , وحضر الرجلُ الغريبُ , وأجتمع أهلُ القرية , فوجد القاضي أكثرَ
من شكوى على ذلك الرجلِ , فقال مخاطباً نفسه : لعل ذلك الرجلَ قتل الأبرياء , وسرق الأموال , وأعتدى
على الأعراض , وعلى كل حال لا أستطيع أن أنطقَ بالحُكْم مالم أستمع من المتخاصمين جميعاً .
تقدم المشتكي الأول وقال : أيها القاضي المحترم , إنَّ هذا الجارَ لا يعرِفُ لي حقاً !! . إندهش الرجلُ
الغريبُ , فهو لا يذكر أنه اعتدى عليه أو أكل ماله !! .
قال القاضي : وماذا فعل ؟ .
قال المشتكي : لقد طلبتُ منه أن يُعينني على رَفْعِ كيسٍ من القمح , فنظر إليَّ باستغراب , ودخل بيته .
قال القاضي : هذه واحدة , وماذا أيضاً؟!
قال : وطلبتُ منه أن يُقرِضَني مبلغاً من المال فرفض .
قال القاضي : وماذا أيضاً ؟ أذُكرْ كلّ مالديك .
قال : ومرضتُ أسبوعاً فلم يأتِ لزيارتي , ونجح أبني فلم يشاركني في فَرْحتي , وتوُفي والدي فلم يطرُق باب منزلي ليُعَزَّيني ويخففَ عني , ولم يخرجْ معنا إلى المقبرة .
قال القاضي : هل لديك شيء آخرُ ؟؟!
قال الرجل : ليس لدى شيءٌ آخر أقوله,ولا أريد أن أتهمه بما لم يفعل .
قال القاضي : بارك اللهُ فيك , فإن اتهاَم الناس بما لم يفعلوه يُوجِبُ غَضَبَ الله تعالى .
ألتفت القاضي إلى الرجل الغريب وقال : هل ماقاله جارُكَ صحيحٌ ؟ .
قال الغريب : نعم ! أيها القاضي , ولكنني لم أعتدِ عليه , ولم أضرِبْه , ولم أدخُلْ بيتَه بغير إذنه , ولم أقطعْ غُصناً من أشجار بستانهِ ولم أقترِضْ منه مالاً , وأُماَطلْ في الدفع ... فكيف يقول إنني لا أعرف حقَّه؟!!
قال القاضي : كلُّ ماذكرَته طيَّبٌ وحَسَنٌ , ولكن لا يكفي عَدَمُ الاعتداءِ على الجيران , حتى يُعَدَّ ذلك إحساناً إليهم . فربما كانوا محتاجين لمعونةٍ أو لمالٍ , وعندما تمَتِنعُ عن إعانتهم وإقراضِهم , تكون قد أعنَت المصائبَ والفقرَ عليهم . فهل ترضى بذلك ؟؟ .
قال الغريب : بالطبع , لا أرضى ! .
ثم طلب القاضي مِنْ رجلٍ آخر أن يتقدم ليستمعَ شكواه , فتقدم رجلٌ كبيرٌ في السن , وقال : أيها القاضي أنْصِفْني مِنْ هذا الجار , إنه يؤذيني في الليل والنهار , لقد نغّص عليّ حياتي , وحرّض عليّ أبنائي , وكاد يُقْدُِني سعادتي في منزلي .....
تعجَّب الرجلُ الغريب مما قال الرجلُ العجوزُ , فهو لا يكاد يراه في الاسبوع مرةً , وهو لا يذْكُرُ أنه تَدَّخَلَ في شؤون حياتهِ , ولا كلمَّ أولادَه لكي يُزْعِجوه ..
نظر القاضي إلى الغريب وقال : هل هذا الكلامُ صحيحٌ ؟ .
قال الغريب : أيها القاضي ! إنني لا أذكرُ شيئاً ممَا يقوله هذا الرجلُ فهل لديه دليلٌ؟!
قال القاضي للمشتكي : هل لديك دليلٌ أيها الرجل ؟ .
قال الرجل العجوز : نعم .. نعم أيها القاضي , عندي ثلاثةُ أدلةٍ .
قال القاضي : عدّدْها , واذْكُرْها لنا
قال العجوز : مَنْ مالك الشمسِ والهواء ؟ .
قال القاضي : الله ربُّ العالمين , خالقُ كل شيء .
قال العجوز : فكيف إذَنْ يمنعُني هذا الرجلُ منهما ؟!! .
قال القاضي : وكيف ؟ .
قال العجوز : لقد رفع بناءَه , وأعلى جدراَنه , دون أن يطلُبَ مني إذْناً بذلك . وقد منع عن داري المتواضعةِ ضوءَ الشمس , وحَجَبَ عني الهواءَ العليل .
قال القاضي : ثم ماذا أيها الرجل العجوز ؟
قال : (وقد دمعت عيناه) إنه يُؤْذيني , ويُشعِرُني بفقري واحتياجي .
قال القاضي : وكيف هذا ؟ .
قال العجوز : إنه يطبُخُ الطعامَ , ويَشْوي اللحمَ , فتنتشرُ رائحةُ الشَّواء , وتنطلِقُ روائحُ الطعام , مما يجعلنا نشتهي , ونزهد فيما في أيدينا من طعام قليل , وجاري هذا لا يتذكَّر أننا أيضاً بَشَرٌ مثلُه . ولا يفكَّرُ ـ ولو مرةً واحدة ـ أن يبعَث لنا شيئاً مما طبخ .
بَدَا الحزنُ على وجه القاضي , وتأثَّر الحاضرون , واستحى الرجلُ الغريب من كلام العجوز ,
ثم قال القاضي : هاتِ الثالثةَ .
قال العجوز : إن جاري هذا يشتري فاكهةً كثيرةً وطيبةً , ونحن لا نملِكُ مالاً لكي نشتري , ولو قليلاً منها , فلا يرسل إلينا منها شيئاً , ولا يتذكرنا وهو يُدْخِلُها إلى بيته عَلَناً , وبعد ذلكَ يْخرجُ أولادُهُ , وبأيديهم أنواعُ الفاكهةِ , ويقولون لأبنائي : نحن عندنا الشيءُ الكثير , فهل اشترى أبوكم مثلَها لكم ؟ .
فيغتاظ أبنائي , وينزعجون , ويدخلون باكين إلى المنزل , شاكين لأمهم , محتجين عليّ لأنني لا أشتري لهم , كما يفعل الجيران .
أيها القاضي ! إنني لا أُدَبَّرُ ثمن الخبز إلا بصعوبة , فكيف يُمكِنُني أن أشتريِ الفاكهةَ الطيبةَ الغاليةَ الثمن .. أنْصِفْني أيها القاضي من هذا الجارِ الذي نَغَّصَ عيشي , وأحْرَجَني أمام أبنائي وزوجتي .. نظر الحاضرون إلى وجه الرجل الغريب , وقد احمّر خجلاً , ونظروا إلى عَيْنَي الرجل العجوز , وقد ملأتها الدموعُ ,
والتفت القاضي إلى الغريب يسأله : هل ماقاله الجيرانُ صحيحٌ ؟ .
أجاب الغريب بصوت منخفض : نعم , وإني أستغِفرُ الله مما فعلتُ .
قال القاضي : إن لجيرانك عليك حقوقاً كثيرة , أتدري ماحَقُّ الجار ؟ , قال صلى الله عليه وسلم : «مازال جبريل يوصيني بالجار , حتى ظننت أنه سيورثه»(1), ويروى عنه أنه قال « إذا استعان بك أعَنتْهَ , وإذا استقرضَكَ أقرضْتَه , وإذا افتقر عُدْتَ عليه , وإذا مرض عُدْتَه , وإذا أصابه خيرٌ هَنَّأْتَه , وإذا أصابَتْهُ مصيبةٌ عَزَّيْتَهُ , وإذا مات اتَّبَعْتَ جنازَته , ولا تَسْتَطِلْ عليه بالبنيان فَتَحْجُبَ عنه الريحَ الا بإذنِه , ولا تُؤْذِهِ بقُتارِ قِدْرِكَ إلا أن تغرفَ له منها , وإنْ اشتريتَ فاكهةً فأهْدِ له , فإن لم تفعلْ فأدْخِلْها سِراً , ولايخرجْ بها ولدُكَ ليَغيظَ بها وَلَدَهُ »(2).
قال الرجل الغريب : معذرةً , لم أكن أعرفُ هذا مِنْ قبل .
قال القاضي : لأنك لا تُصلي معنا , ولا تحضرُ خُطْبَة الجمعة لتستمعَ إلى حديثِ رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهنا أذن المؤذنُ لصلاة الجمعة فقام الرجل الغريب مع أهل القرية وهو مصممٌ على ألا تفوتَه صلاةٌ في المسجد , وعلى أن يعرِفَ للجيران حقوقهم ....
الهوامش :
(1) متفق عليه .
(2) رواه الثعلبي والطبراني , قال السّخاوي في المقاصد الحسنة : اسناده ضعيف . وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (2587) .
( اللــــهم أعـــنا عــلــى الــــطـــاعة وعــلـى حــسن جـــوار جـــــيرانــنــا ) آميــــــن
( إنتـــــــــــــــــــــــهى )