أبو عثمان
11-03-2008, 06:25 PM
مواقف عمرية : مواقف , ودروس , وعبر هامة من حياة عمر بن الخطاب
(الحلقة الأولى)رسم عمر بن الخطاب رضي الله عنه مواقف رائعة , سطرها التاريخ في أنصع صفحاته , لا تنساها ذاكرة الدهر , اهتزت لجمالها شغاف القلوب , وأصبحت لعظمتها كأنها نسجت من الخيال , وهي حقيقة صادقة , والسر في ذلك صعوبة تطبيقها , وامتثالها كواقع , في زمن طغت فيه الماديات , والشهوات , والمصالح , وحب الدنيا والذات , لقد أتعب الفاروق أبو حفص رضي الله عنه من بعده في مواقفه المشهودة , وصفاته المحمودة , فما أحوج هذه الأمة للرجوع لسيرة هؤلاء العظماء لمعرفة نهجهم , والسير على خطاهم , عندها ستتبدل الأحوال , وتزهر القلوب الصادية , وتشتد العزائم الواهية , وينسحب الظلام المطبق على القلوب ,
ومن هنا اخترت لكم في هذه المشاركة بعض المواقف العمرية الهامة , راجياً منكم التعليقات الجميلة المفيدة على هذه المواقف وبذل الهمة لاستخراج دقائق الفوائد من هذه الأحداث ,
وسأتابع بمشيئة الله الموضوع في هذا العنوان على حلقات متتالية , بعنوان (عمريات) , وطلبي التفاعل , والمشاركة باستنباط الفوائد والعبر ومقارنة ذلك في واقعنا المعاصر , وبيان السر في عجزنا عن التطبيق , وإليكم المشاركة :
الموقف الأول (1) :
فعن طارق بن شهاب , قال : لما قدم عمر الشام , عرضت له مخاضة , فنزل عمر عن بعيره , ونزع خفيه , أو قال : موقيه , ثم أخذ بخطام راحلته , وخاض المخاضة , فقال له أبو عبيدة بن الجراح : لقد فعلت يا أمير المؤمنين فعلا عظيما , عند أهل الأرض , نزعت خفيك , وقدمت راحلتك , وخضت المخاضة , قال فصك عمر بيده في صدر أبي عبيدة , فقال: أوه , لو غيرك يقولها يا أبا عبيدة , أنتم كنتم أقل الناس , فأعزكم الله بالإسلام , فمهما تطلبوا العزة بغيره ؛ يذلكم الله تعالى. وفي لفظ :" فقال أبو عبيدة : يا أمير المؤمنين , أنت تفعل هذا ؟! تخلع خفيك , وتضعهما على عاتقك , وتأخذ بزمام ناقتك , وتخوض بها المخاضة , ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك , فقال عمر : أوه , لو يقل ذا غيرك أبا عبيدة , جعلته نكالا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم".
وفي لفظ آخر :"قَالَ : لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ الشَّامَ , أَتَتْهُ الْجُنُودُ , وَعَلَيْهِ إزَارٌ , وَخُفَّانِ , وَعِمَامَةٌ , وَأَخَذَ بِرَأْسِ بَعِيرِهِ , يَخُوضُ الْمَاءَ ، فَقَالُوا لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، تَلْقَاك الْجُنُودُ , وَبِطَارِقَةِ الشَّامِ , وَأَنْتَ عَلَى هَذَا الْحَالِ ، قَالَ : فَقَالَ عُمَرُ : إنَّا قَوْمٌ أَعَزَّنَا اللَّهُ بِالإِسْلامِ ، فَلَنْ نَلْتَمِسُ الْعِزَّ بِغَيْرِهِ ". رواه عبد الله بن المبارك في الزهد (584) , وابن أبي شيبة في مصنفه (33847) , والحاكم في المستدرك 3/88 , 1/130 , وأبو نعيم في الحلية 1/47 , والبيهقي في الشعب (8196) , وابن عساكر في تاريخ دمشق 44/5 , كلهم من طريق طارق بن شهاب به نحوه . والفظ الأول للحاكم , والأخير لابن أبي شيبة. وهذا الأثر صحيح , ورجاله ثقات , وصححه الحاكم 1/130.
تأمل الموقف : سار الفاروق فوق بعيره , فاعترضته بقعة الماء التي تسد الطريق , فلم تقبل نفسه الزكية أن يعبرها راكباً متجبراً , فما كان منه إلا أن نزع خفيه وأمسك بهما , وتقدم ليعبر الطين , بقدميه العاريتين , فأخذ الطين يلتصق بهما , ويتناثر على الساقين , والإزار ؛ بصورة مليئة بالتواضع , والزهد , والعزّة , وهذا الفعل من أعلى رجل في الدولة الإسلامية , تحت إمْرته الديار , والممالك , والمساحات الواسعة من الأرض , ولم يكن هذا الفعل سرَاً بل كان بمحضر من الجنود والقادة , وعلى نظر عظماء الروم , وسادتهم , وزعمائهم الذين يترقبون رؤيته , ويتصورون مجيئه إليهم كحال عظمائهم , وجبَّاريهم , في مواكب فخمة , تهيأ لها المقاصير الوثيرة , وتتقدمها الخيل المسرجة , وتعتليها الأعلام , وتضرب لها الطبول , ويستقبلها الجماهير بالهتافات , ولكن الفاروق لم تشغله هذا المظاهر الزائفة , والبهرجة الفانية , ولا يرجو المجد بالمباهاة , والتكبر على عباد الله , بل هو قلب يخشع , وقرآن يمشي , وسيرة تنطق , لقد فهم أن من ملك الهداية , والدين الصحيح , ورضى الله , فقد ملك كل شيء , ومن خسر الهداية والتوفيق , فقد خسر كل شيء , ولو لبس الحرير , ونام على الوثير , وتلقته الجماهير , لقد جاء الفاروق كسائر البشر , بل أقل ؛ تواضعاً , وزهداً , ولكنه قد امتلأ عزة , وانكساراً لله سبحانه المعزّ , وهذه الحال من عمر رضي الله عنه أذهلت أبا عبيدة رضي الله عنه , ودفعته للإنكار عليه لرغبته أن يتصف بالوجاهة , والفخامة , فقال له : لقد فعلت يا أمير المؤمنين فعلا عظيما , عند أهل الأرض , فأعطاه عمر رضي الله عنه درساً لا ينسى بعد أن صك على صدره , وعاتبه , قال : "إنَّا قَوْمٌ أَعَزَّنَا اللَّهُ بِالإِسْلامِ ، فَلَنْ نَلْتَمِسُ الْعِزَّ بِغَيْرِهِ" , فبين له أن العزّة لا تكون إلا بالإسلام لا بالمظاهر الزائلة , ولا بالمتاع الفاني ,
فهذا درس كبير لتفهم الأمة معنى العزة الحقيقي , وأنها لو تمسكت بالإسلام لحازت المفاخر والمآثر , والهداية , والبصائر , ولأصبحت شامة في جبين الدهر , ومن مثل الإسلام في قيمه , ومثله , وشموخه , فيه صفاء العقيدة , والعبادة , فيه القوة والريادة , فيه الرحمة والسعادة , فيه الطمأنينة والانشراح , ومن عرفه حقاً ضحى بالغالي والنفيس في سبيله , ياله من دين لو كان له رجال.وهم كائنون بحمد الله , ولكن تنقصهم العزيمة العمرية , في عزتها , وعنفوانها , واستشعارها للإيمان , وتضحيتها في سبيل المبادئ .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الحلقة الثانية (2) من المواقف العمرية موجودة الآن في هذا الملف فتصفحها
(الحلقة الأولى)رسم عمر بن الخطاب رضي الله عنه مواقف رائعة , سطرها التاريخ في أنصع صفحاته , لا تنساها ذاكرة الدهر , اهتزت لجمالها شغاف القلوب , وأصبحت لعظمتها كأنها نسجت من الخيال , وهي حقيقة صادقة , والسر في ذلك صعوبة تطبيقها , وامتثالها كواقع , في زمن طغت فيه الماديات , والشهوات , والمصالح , وحب الدنيا والذات , لقد أتعب الفاروق أبو حفص رضي الله عنه من بعده في مواقفه المشهودة , وصفاته المحمودة , فما أحوج هذه الأمة للرجوع لسيرة هؤلاء العظماء لمعرفة نهجهم , والسير على خطاهم , عندها ستتبدل الأحوال , وتزهر القلوب الصادية , وتشتد العزائم الواهية , وينسحب الظلام المطبق على القلوب ,
ومن هنا اخترت لكم في هذه المشاركة بعض المواقف العمرية الهامة , راجياً منكم التعليقات الجميلة المفيدة على هذه المواقف وبذل الهمة لاستخراج دقائق الفوائد من هذه الأحداث ,
وسأتابع بمشيئة الله الموضوع في هذا العنوان على حلقات متتالية , بعنوان (عمريات) , وطلبي التفاعل , والمشاركة باستنباط الفوائد والعبر ومقارنة ذلك في واقعنا المعاصر , وبيان السر في عجزنا عن التطبيق , وإليكم المشاركة :
الموقف الأول (1) :
فعن طارق بن شهاب , قال : لما قدم عمر الشام , عرضت له مخاضة , فنزل عمر عن بعيره , ونزع خفيه , أو قال : موقيه , ثم أخذ بخطام راحلته , وخاض المخاضة , فقال له أبو عبيدة بن الجراح : لقد فعلت يا أمير المؤمنين فعلا عظيما , عند أهل الأرض , نزعت خفيك , وقدمت راحلتك , وخضت المخاضة , قال فصك عمر بيده في صدر أبي عبيدة , فقال: أوه , لو غيرك يقولها يا أبا عبيدة , أنتم كنتم أقل الناس , فأعزكم الله بالإسلام , فمهما تطلبوا العزة بغيره ؛ يذلكم الله تعالى. وفي لفظ :" فقال أبو عبيدة : يا أمير المؤمنين , أنت تفعل هذا ؟! تخلع خفيك , وتضعهما على عاتقك , وتأخذ بزمام ناقتك , وتخوض بها المخاضة , ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك , فقال عمر : أوه , لو يقل ذا غيرك أبا عبيدة , جعلته نكالا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم".
وفي لفظ آخر :"قَالَ : لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ الشَّامَ , أَتَتْهُ الْجُنُودُ , وَعَلَيْهِ إزَارٌ , وَخُفَّانِ , وَعِمَامَةٌ , وَأَخَذَ بِرَأْسِ بَعِيرِهِ , يَخُوضُ الْمَاءَ ، فَقَالُوا لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، تَلْقَاك الْجُنُودُ , وَبِطَارِقَةِ الشَّامِ , وَأَنْتَ عَلَى هَذَا الْحَالِ ، قَالَ : فَقَالَ عُمَرُ : إنَّا قَوْمٌ أَعَزَّنَا اللَّهُ بِالإِسْلامِ ، فَلَنْ نَلْتَمِسُ الْعِزَّ بِغَيْرِهِ ". رواه عبد الله بن المبارك في الزهد (584) , وابن أبي شيبة في مصنفه (33847) , والحاكم في المستدرك 3/88 , 1/130 , وأبو نعيم في الحلية 1/47 , والبيهقي في الشعب (8196) , وابن عساكر في تاريخ دمشق 44/5 , كلهم من طريق طارق بن شهاب به نحوه . والفظ الأول للحاكم , والأخير لابن أبي شيبة. وهذا الأثر صحيح , ورجاله ثقات , وصححه الحاكم 1/130.
تأمل الموقف : سار الفاروق فوق بعيره , فاعترضته بقعة الماء التي تسد الطريق , فلم تقبل نفسه الزكية أن يعبرها راكباً متجبراً , فما كان منه إلا أن نزع خفيه وأمسك بهما , وتقدم ليعبر الطين , بقدميه العاريتين , فأخذ الطين يلتصق بهما , ويتناثر على الساقين , والإزار ؛ بصورة مليئة بالتواضع , والزهد , والعزّة , وهذا الفعل من أعلى رجل في الدولة الإسلامية , تحت إمْرته الديار , والممالك , والمساحات الواسعة من الأرض , ولم يكن هذا الفعل سرَاً بل كان بمحضر من الجنود والقادة , وعلى نظر عظماء الروم , وسادتهم , وزعمائهم الذين يترقبون رؤيته , ويتصورون مجيئه إليهم كحال عظمائهم , وجبَّاريهم , في مواكب فخمة , تهيأ لها المقاصير الوثيرة , وتتقدمها الخيل المسرجة , وتعتليها الأعلام , وتضرب لها الطبول , ويستقبلها الجماهير بالهتافات , ولكن الفاروق لم تشغله هذا المظاهر الزائفة , والبهرجة الفانية , ولا يرجو المجد بالمباهاة , والتكبر على عباد الله , بل هو قلب يخشع , وقرآن يمشي , وسيرة تنطق , لقد فهم أن من ملك الهداية , والدين الصحيح , ورضى الله , فقد ملك كل شيء , ومن خسر الهداية والتوفيق , فقد خسر كل شيء , ولو لبس الحرير , ونام على الوثير , وتلقته الجماهير , لقد جاء الفاروق كسائر البشر , بل أقل ؛ تواضعاً , وزهداً , ولكنه قد امتلأ عزة , وانكساراً لله سبحانه المعزّ , وهذه الحال من عمر رضي الله عنه أذهلت أبا عبيدة رضي الله عنه , ودفعته للإنكار عليه لرغبته أن يتصف بالوجاهة , والفخامة , فقال له : لقد فعلت يا أمير المؤمنين فعلا عظيما , عند أهل الأرض , فأعطاه عمر رضي الله عنه درساً لا ينسى بعد أن صك على صدره , وعاتبه , قال : "إنَّا قَوْمٌ أَعَزَّنَا اللَّهُ بِالإِسْلامِ ، فَلَنْ نَلْتَمِسُ الْعِزَّ بِغَيْرِهِ" , فبين له أن العزّة لا تكون إلا بالإسلام لا بالمظاهر الزائلة , ولا بالمتاع الفاني ,
فهذا درس كبير لتفهم الأمة معنى العزة الحقيقي , وأنها لو تمسكت بالإسلام لحازت المفاخر والمآثر , والهداية , والبصائر , ولأصبحت شامة في جبين الدهر , ومن مثل الإسلام في قيمه , ومثله , وشموخه , فيه صفاء العقيدة , والعبادة , فيه القوة والريادة , فيه الرحمة والسعادة , فيه الطمأنينة والانشراح , ومن عرفه حقاً ضحى بالغالي والنفيس في سبيله , ياله من دين لو كان له رجال.وهم كائنون بحمد الله , ولكن تنقصهم العزيمة العمرية , في عزتها , وعنفوانها , واستشعارها للإيمان , وتضحيتها في سبيل المبادئ .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الحلقة الثانية (2) من المواقف العمرية موجودة الآن في هذا الملف فتصفحها