أثر العقيدة الصافية في الحياة
إن حياة الإنسان تسير وفقد مؤثرات كثيرة ، تتحكم فيها ، سعادة وشقاءً ، ثباتاً وتقلباً، ومن أهم هذه المؤثرات : المعتقد ، فإن عقيدة الإنسان هي التي توجه مسار حياته، إما إلى الاطمئنان والسعادة ، وتلك حياة أهل المعتقد الحق ، أهل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره ، وبقدر هذا الإيمان يكون الاطمئنان والسعادة .
وإما إلى الحيرة والشقاء، وتلك حياة أهل المعتقد الباطل المخالف للمنهج الشرعي الصحيح، نعوذ بالله من الخذلان.
فإن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الإنسان ، ويعلم ما يسعد هذا الإنسان ، وما يحقق له في حياته الراحة والاطمئنان. فشرع من العقيدة والعبادة ما يحقق ذلك .
إن الإيمان الحق بكل ما فيه من مستلزمات يحقق الأمن في الدنيا والسعادة في الآخرة، قال تعالى:
{الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}([1]).
فهناك في هذه الآية شرطان:الإيمان، والبعد عن الظلم في الإيمان.
وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}([2]).
وقال تعالى:
{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}([3]).
إن عموم الناس يتطلعون إلى مثل يسيرون على نهجه ويحذون حذوه ، ومن هنا ضل كثير من الناس وتخبطوا في اختيار تلك الشخصيات التي يسيرون على خطاهم ، فمن البشر من اختار أسلافه من الآباء، كما أخبر عنهم المولى (سبحانه وتعالى) بقوله:
{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ}([4]).
ومنهم من اختار الرؤساء والزعماء ، الذين قال الله تعالى فيهم:
{وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا . رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً}([5])
وفي الوقت الحاضر نجد بعض الناس من الشباب والفتيات تخذوا مثلاً وقدوة لهم من أهل الفن والرياضة ، ممن دأبت وسائل الإعلام على اختلافها بتلميعهم وتزيينهم .
وأما أهل الإيمان الحق الذين آمنوا بالله ورسله فإنهم لم يتخبطوا في هذا الجانب ، فقد وجدوا في رسل الله (عليهم الصلاة والسلام) القدوة الكاملة والمثل الأعلى ، ولقد قال المولى (سبحانه وتعال) في شأن رسوله محمد (صلى الله عليه وسلم):{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}([6]). هذا الرسول هو القدوة الحق قدوة في دينه ، قدوة في خلقه وتعامله ، قدوة في كل شان من شؤونه . فمن وفق لإتباعه والسير على منهجه، فإنه لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة.
وكذلك الإيمان بالملائكة له أثر كبير في حياة الفرد ، فإن الإنسان على سبيل المثال إذا أيقن أن هناك ملائكة يكتبون ما له من حسنات وما عليه من سيئات فإن ذلك يوقظ عنده المراقبة لأعماله خشية من الحساب ورغبة في الثواب ، مما يكون له الأثر الكبير في استقامة سلوكه وصلاح أعماله التي تكون سبباً في حياة آمنة ونجاة في الآخرة .
والإيمان بالكتب يجعل للإنسان دليلاً ومنهجاً يسير عليه في هذا الحياة بطريق سليم دون ترد في مسالك الشيطان، فالقرآن الكريم الذي أنزله الله سبحانه وتعالى خاتماً للكتب ومهيمناً عليها {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ}([7]) . نزل هدى للعالمين ورحمة للمؤمنين {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ}([8]). وقال تعالى:{وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}([9]).
والإيمان باليوم الآخر كابح للشهوات ورادع للنزوات ، ودافع إلى عمل الخيرات ، وذلك حين يعرف الإنسان أن هذه الحياة ليست هي نهاية المطاف كما هي المشركين الذين حكى الله سبحانه وتعالى قولهم:{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ}([10])، ولكن ثمة يوم يبعث فيه الناس يوم القيامة وفي هذا رد الله سبحانه وتعالى على المنكرين بقوله:{قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}([11]). وفي هذا اليوم سيجازى كل بعمله إن خيراً فخير وإن شراً فشر {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ . وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ}([12]).
والإنسان في هذه الحياة تقلقه المصائب ، وتكدر عليه صفو العيش ، ولكن يأتي الإيمان بالقضاء والقدر _ لمن وفق لذلك _ فيذهب ذلك القلق ، ويزيل ذلك النكد ، وليس الأمر كذلك فحسب ، إنا قد تتحول عنده شيء من تلك المصائب إلى باب من أبواب النعمة بالصبر والاحتساب{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}([13])، وقال عليه الصلاة والسلام:
((أيما امرأة مات لها ثلاثة من الولد كانوا لها حجابا من النار قالت امرأة واثنان قال واثنان))([14]).
عثرت امرأة من الصالحات ، فأصيب رجلها فلما نظرت على الدم ضحكت ، فقيل لها عجباً لك، تضحكين وقد أصبت ، قالت : أنساني حلاوة أجره مرارة عذابه .
([1]) سورة الأنعام، الآية 82 .
([2]) سورة فصلت، الآية 30.
([3]) سورة طه، الآية 124.
([4]) سورة الزخرف، الآية 23.
([5]) سورة الأحزاب، الآيتان 67 ، 68.
([6]) سورة الأحزاب، الآية 21
([7]) سورة المائدة ، الآية 48 .
([8]) سورة البقرة ، الآية 185 .
([9]) سورة الأعراف، الآية 52
([10]) سورة الأحزاب، الآية 21.
([11]) سورة التغابن، الآية 7 .
([12]) سورة الزلزلة، الآيتان 7 ، 8 .
([13]) سور الزمر، الآية 10 .
([14]) رواه البخاري ..
الدرس القادم
( الفصل الأول )
( فتنة المال )
( المبحث الأول : التعريف بفتنة المال )
إقرأ جيدا وبتركيز وتمعن لكي تستفيد أكثر .
وتذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم :-
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلم:-
( إذا مات ابن ادم انقطع عمله إلا من ثلاث :- صدقة جاريه أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له) أخرجه مسلم
الغطاس
تنبيه سيطرح كل يوم الجمعه والإثنين درس جديد.
لا تنسونا من خالص الدعاء في ظهر الغيب
تحياتي