: أسباب انحطاط الهمم (1)
1. الوهن
وهو كما فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم
( حب الدنيا وكراهية الموت)
أما حب الدنيا فرأس كل خطيئة ، وهو أصل
التثاقل إلى الأرض
وسبب الانغماس في الترف ، وقد مرّ بشر
الحافي على بئر فقال له صاحبه :
أنا عطشان ، فقال :
البئر الأخرى ، فمرّ عليها فقال له :
الأخرى ، ثم قال : كذا تُقطع الدنيا .
أما كراهية الموت فثمرة حب الدنيا
والحرص على متاعها ، مع تخريبه الآخرة ،
فيكره أن ينتقل من العمران إلى الخراب .
حب السلامة يثني عزم صاحبه *** عن المعالي ويغري المرء بالكسل.
. 2 .الفتور
: عن عبدا لله بن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم :
(إن لكل عمل شره ، ولكل شرةفترة ، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى ، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك)
والشره : نشاط وقوة ، والفترة : ضعف وفتور .
لكلٍ إلى شأوِ العلا حركات *** ولكن عزيز في الرجال ثبات
3. إهدار الوقت الثمين
أي في الزيارات والسمر وفضول المباحات ،
قال صلى الله عليه وسلم : ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس ، الصحة و الفراغ)
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه *** وأراه أسهل ما عليك يضيع
قال الفضيل بن عايض
( أعرف من يعد كلامه من الجمعة إلى الجمعة )
،وقال بعض السلف
( إذا طال المجلس كان للشيطان فيه نصيب ) ،
وكان عثمان الباقلاني دائم الذكر لله فقال
إني وقت الإفطار أُحس بروحي كأنها تخرج لأجل اشتغالي بالأكل عن الذكر.
4. العجز والكسل
: وهما اللذان أكثر الرسول صلى الله عليه وسلم
من التعوذ منها ، وقد يعذر العاجز لعدم قدرته ،
بخلاف الكسول الذي يتثاقل مع قدرته ، قال تعالى
: { َلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ }التوبة46
وقد ترى الرجل موهوباً ونابغة فيأتي
الكسل فيخذل همته ويمحق موهبته ويشل طاقته .
5. الغفلة
: قال عمر رضي الله عنه :
( الراحة للرجال غفلة )
وسئل ابن الجوزي : أيجوز أن أُفسح لنفسي في مباح الملاهي . . ؟ فقال : عند نفسك من الغفلة ما يكفيها ،
قال أ.محمد أحمد الراشد حفظه الله معلقاً :
( فإن اعترض معترض بمثل كلام ابن القيم حيث يقول
( لابد من سِنة الغفلة ، ورقاد الغفلة ، ولكن كن خفيف النوم )، فالمراد التقليل من الراحة إلى أدنى
ما يكفي الجسم ، كل حسب صحته وظروفه الخاصة ،
فالمؤمن في هذا الزمان أشد حاجة للانتباه
ومعالجة قلبه وتفتيشه مما كان عليه المسلمون
من قبل ، ذلك أنهم كانوا
يعيشون في محيط إسلامي تسوده الفضائل
ويسوده التواصي بالحق ، والرذائل
في ستر وتواري عن عيون العلماء وسيوف الأمراء ،
أما الآن فإن المدنية الحديثة جعلت كفر جميع مذاهب الكفار مسموعاً مبصراً بواسطة الإذاعات والتلفزة
والصحف ، وجعلت القاءات الشيطان قريبة من القلوب ،
وبذلك زاد احتمال تأثر المؤمن من حيث لا يدري
ولا يشعر ، فضلاً عن ارتفاع حكم الإسلام
عن الأرض الإسلامية التي يعيش فيها.
6. التسويف والتمني
: وهما صفة بليد الحس ، عديم المبالاة ،
الذي كلما همت نفسه بخير إما يعيقها
( بسوف ) حتى يفجأه الموت فيقول :
( ربي لولا أخرتني إلى أجل قريب ) ،
وإما يركب بها بحر التمني وهو بحر
لا ساحل له ، يدمن ركوبه مفاليس العالم ، كما قيل :
إذا تمنيت بتّ الليل مغتبطاً *** إن المنى رأس مال المفاليس
والمنى هي بضاعة كل نفس ، ليس لها
همة تنال بها الحقائق بل اعتاضت بالأماني الدنيّة ،
وقد قال المتنبي منزهاً نفسه عن الاستغراق في
الأحلام ، مبيناً كيف ألف الحقائق واعتاد ركوب الأخطار :
وما كنت ممن أدرك الملك بالمنى *** ولكن بأيامٍ أشبن النواصي
لبست لها كدر العجاج كأنما *** ترى غير صافياً أن ترى الجو صافيا
ابوفايز
23-1-1431هـ
(1) ملخص من كتاب علو الهمة/محمد احمد اسماعيل المقدم ..ص332