العقيدة الإسلامية
تعريف العقيدة
في اللغة : من العَقْد وهو الربط والشد بقوة ، ومنه الإحكام والإبرام ، والعَقْدُ نقيض الحل، يقال عقدت الحبل، والبيع، والعهد([1]). وما عقد عليه الإنسان قلبه جازماً فهو عقيدة.
في الاصطلاح :
(ا) الاصطلاح العام : الإيمان الجازم والحكم القاطع ، الذي لا يتطرق إليه الشك لدى المعتقد، بصرف النظر عن نوع الاعتقاد حق أو باطل، وسمي عقيدة لأن الإنسان يعقد عليه قلبه .
تعريف آخر : حكم الذهن الجازم ، يقال : اعتقدت كذا، يعني جزم به قلبي، فهو حكم الذهن الجازم، فإن طابق الواقع فصحيح، وإن خالف الواقع ففاسد، فاعتقادنا أن الله واحد صحيح، واعتقاد النصارى أن الله ثالث ثلاثة باطل، لأنه مخالف للواقع، ووجه ارتباطه بالمعنى اللغوي ظاهر، لأن هذا الذي حكم في قلبه على شيء ما كأنه عقده عليه وشده عليه بحيث لا يفلت منه([2]) .
(ب) الاصطلاح الإسلامي: الإيمان الجازم بالله ، وما يجب له في ألوهيته وربوبيته، وأسمائه وصفاته، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وبكل ما جاءت به النصوص الصحيحة من أصول الدين وأمور الغيب وأخباره، وما أجمع عليه السلف الصالح، والتسليم لله تعالى في الحكم والأمر والقدر والشرع ، ولرسوله (صلى الله عليه وسلم) بالطاعة والتحكيم والإتباع([3]) .
مزايا عقيدة أهل السنة والجماعة
تتميز عقيدة أهل السنة والجماعة بميزات عدة ، منها :-
1- سلامة المصدر.
وذلك باعتمادهم على الكتاب والسنة ، وإجماع السلف ، وأقولهم فحسب ، قال ابن عبد البر : ((ليس في الاعتقاد كله في صفات الله وأسمائه إلا ما جاء منصوصاً في كتاب الله ، أو صح عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأجمعت عليه الأمة ، وما جاء من أخبار الآحاد في ذلك كله أو نحوه يسلم له ، ولا يناظر في ))([4]) .
وهذه الخاصية لا توجد في مذاهب أهل الكلام والمبتدعة والمتصوفة ، الذين يعتمدون على العقل ، والنظر ، أو على الحدس والكشف والإلهام ، أو الرؤى والأحلام ، أو عن طريق أشخاص يزعمون لهم العصمة ... أو غير ذلك من المصادر البشرية التي يحكمونها ، ويعتمدونها في أمور الغيب .
2- تقوم على التسليم لله تعالى ولرسوله (صلى الله عليه وسلم) .
العقيدة أمور غيبية، ولا يكمن للعقل أن يحيط بها، ولذا فإن أهل السنة والجماعة سلموا لله ولرسوله (صلى الله عليه وسلم) في هذه الأمور الغيبية، وأراحوا عقولهم من البحث والنظر في ما لا مجال لها في إدراكه. ولقد جعل الله سبحانه وتعالى الإيمان بالغيب من صفات المتقين حين قال { الم . ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين . الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون}([5]) .
3- موافقتها للفطرة القويمة والعقل السليم .
عقيدة أهل السنة والجماعة في جميع جوانبها ، تتفق مع الفطرة القويمة التي فطر الله عليها عباده ، كما تتفق مع العقل السليم، مما يؤدي إلى الاطمئنان بها ، بخلاف ما جاء به المبتدعة من أمور تخالف الفطرة وتناقض العقل ، مما يؤدي إلى الحيرة والقلق والشك.
4- اتصال سندها بالرسول (صلى الله عليه وسلم) والصحابة والتابعين وأئمة الهدى، قولاً وعملاً وعلماً واعتقاداً.
فلا يوجد بحمد الله تعالى عند أهل السنة والجماعة قضية من قضايا العقيدة إلا وهي منسوبة إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أو صحابته الكرام والتابعين وأئمة الهدى. بخلاف عقائد المبتدعة المبتورة من السند السليم، فلا تعدو أن تكون مخترعة من أئمة الزيغ الضلال ، ولا صلة لها برسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصحابته الكرام وأئمة الهدى والرشاد .
5- الوضوح والبيان .
عقدة أهل السنة والجماعة تتميز بكونها واضحة جلية، خالية من اللبس والغموض، بخلاف عقائد بعض الفرق الضالة التي لا تخلو من التعقيد والغموض في ألفاظها ومعانيها، حتى لا يكاد يفها إلا آحاد الناس، ممن عرفوا تلك الأساليب الملتوية والطرق المعوجة.
6- سلامتها من الاضطراب والتناقض .
تتميز عقيدة أهل السنة والجماعة بالسلامة من الاضطراب والتناقض الذي وقع فيه من خرج عن منهجهم ، ووقع فيما وقع فيه من الحيرة والشك ، فقد صرح بعض أئمة أهل الكلام والفلسفة والتصوف بما وصلت إليه أحوالهم ، ورجع بعضهم إلى معتقد أهل السنة والجماعة .
فهذا أبو الحسن الأشعري نشأ في الاعتزال أربعين عاماً يناظر عليه ، ثم رجع عن ذلك وصرح بتضليل المعتزلة وبالغ في الرد عليهم([6]) .
وكذلك الغزالي (رحمه الله) انتهى آخر أمره إلى الوقف والحيرة في المسائل الكلامية، ثم أعرض عن تلك الطرق وأقبل على أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فمات وصحيح البخاري على صدره ([7]).
وكذا أبو عبدالله محمد بن عمر الرازي قال في كتابه الذي صنفه (أقسام اللذات): ((لقد تأملت الطرق الكلامية ، والمناهج الفلسفية ، فما رأيتها تشفي عليلاً ، ولا تروي غليلاً ، ورأيت أقرب الطرق طرقة القرآن : أقرأ في الإثبات {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}([8]) ، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}([9]) . وأقرأ في النفي {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}([10]) ،{وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً}([11]) ،{هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً}([12]) ، ثم قال: من جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي ، وكان يتمثل كثيراً ويقول :
نهاية إقدام العقـــول عقال وأكثر سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا وحاصل دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا قيل وقال([13])
7- سبب للظهور والنصر والفلاح في الدارين .
لقد جعل الله سبحانه وتعالى هذه العقيدة الحقة ، عقيدة أهل السنة والجماعة ، سبباً في النصر والظهور ، كما أخبر بذلك المصطفى (صلى الله عليه وسلم) حين قال: (( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك))([14]). وكما كتب لهم النصر والظهور في الدنيا ، فقد كتب لهم الفلاح والنجاة في الآخرة فهم الفرقة الناجية يوم يهلك الناس .
8- عقيدة الجماعة والاجتماع .
مما تتميز به هذه العقيدة هو اجتماع أهلها وعدم تفرقهم، في حين أن أهل العقائد الباطلة يتفرقون شيعاً وأحزاباً، ولا يتوقف بهم الأمر عند ذلك، بل يضلل بعضهم بعضاً، ويكفر بعضهم بعضاً. وفي هذا يقول الأصبهاني (رحمه الله) : (( ومما يدل على أن أهل الحديث هم أهل الحق أنك لو طالعت جميع كتبهم المصنفة من أولهم إلى آخرهم ، قديمهم وحديثهم ، مع اختلاف بلدانهم وزمانهم ، وتباعد ما بينهم من الديار، وسكون كل واحد منهم قطراً من الأقطار ، وجدتهم في بيان الاعتقاد على وتيرة واحدة ونمط واحد ، يجرون على طريقة لا يحيدون عنها ، ولا يميلون فيها ، قولهم في ذلك واحد ، لا ترى فيهم اختلافاً ن ولا تفرقاً في شيء ما وإن قل ، بل لو جمعت ما جرى على ألسنتهم ونقلوه عن سلفهم ، وجدته كأنه جاء عن قلب واحد، وجرى على لسان واحد ...))([15]) .
9- البقاء والثبات والاستقرار .
مما تتميز به عقيدة أهل السنة والجماعة هو البقاء والثبات والاستقرار لمبادئها ومعتقداتها ، فقولهم في الله سبحانه وتعالى وأسمائه وصفات ثابت لم يتغير ، وكذا قولهم في النبوة والقدر ونحوه . في حين أن غيرهم من أهل البدع ربما تغيرت معتقداتهم وتبدلت مع مرور الزمن ([16]).
أثر العقيدة الصافية في الحياة
([1]) انظر : الجوهري ، الصحاح ، مادة عقد. 1/510. وابن منظور ، لسان العرب، نفس المادة 3/296-300.
([2]) ابن عثيمين ، شرح العقيدة الواسطية 1/50 .
([3]) د. ناصر العقل، مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة ص9 .
([4]) جامع بيان العلم وفضله 2/117،118 .
([5]) سورة البقرة ، الآيات 1،2،3 .
([6]) ابن تيمية ن مجموع الفتاوي 4/72 .
([7]) ابن أبي العز الحنفي ، شرح العقيدة الطحاوية ص208 .
([8]) سورة طه، الآية 5.
([9]) سورة فاطر ، الآية10.
([10]) سورة الشورى، الآية 11
([11]) سورة طه، الآية110 .
([12]) سورة مريم، الآية 65
([13]) ابن تيمية ، مجموع الفتاوي ، 4/72،73 .
([14]) أخرجه مسلم ، كتاب الإمارة ، حديث رقم 1920 .
([15]) عثمان بن علي حسن ، منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة 1/46 . ونسبه للحجة في بيان المحجة (مخطوط) ورقة 164 ، مكتبة أحمد الثالث ، تحت رقم 1395 ، تركيا .
([16]) انظر : د. ناصر العقل ، مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة ص 29-34 .
الدرس القادم
( أثر العقيدة الصافية في الحياة )
إقرأ جيدا وبتركيز وتمعن لكي تستفيد أكثر .
وتذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم :-
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلم:-
( إذا مات ابن ادم انقطع عمله إلا من ثلاث :- صدقة جاريه أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له) أخرجه مسلم
الغطاس
تنبيه سيطرح كل يوم الجمعه والإثنين درس جديد.
لا تنسونا من خالص الدعاء في ظهر الغيب
.