فائدة لطيفة حول اللحية في سورة طه
قوله تعالى: {قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي}.
ذكر جلّ وعلا في هذه الآية الكريمة: أن هارون قاله لأخيه موسى {يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلابِرَأْسِي} وذلك يدّل على أنه لشدة غضبه أراد أن يمسك برأسه ولحيته. وقد بيّن تعالى في "الأعراف" أنه أخذ برأسه يجره إليه. وذلك في قوله: {وَأَلْقَى الَْألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ}. وقوله: {وَلَمْ تَرْقُبْ قَولِي} من بقيةكلام هارون. أي خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل، وأن تقول لي لم ترقب قولي أي لم تعمل بوصيتي وتمتثل أمري.
هذه الآية الكريمة بضم آية "الأنعام" إليها تدل على لزوم إعفاء اللحية، فهي دليل قرآني على إعفاء اللحية وعدم حلقها. وآية الأنعام المذكورة هي قوله تعالى: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ} . ثم إنه تعالى قال بعد أن عدّ الأنبياء الكرام المذكورين {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} فدّل ذلك على أن هارون من الأنبياء الذين أمر نبينا صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم، وأمره صلى الله عليه وسلم بذلك أمر لنا. لأن أمر القدوة أمر لأتباعه كما بيّنا إيضاحه بالأدلة القرآنية في هذا الكتاب المبارك في سورة "المائدة" وقد قدّمنا هناك: أنه ثبت في صحيح البخاري: أن مجاهداً سأل ابن عباس: من أين أخذت السجدة في "ص" قال: أوما تقرأ {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ} {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّه ُفَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} فسجدها داود فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذاعلمت بذلك أن هارون من الأنبياء الذين أمر نبينا صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم في سورة "الأنعام" ، وعلمت أن أمره أمر لنا. لأن لنا فيه الأسوة الحسنة، وعلمت أن هارون كل موفراً شعر لحيته بدليل قوله لأخيه: {لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي} لأنه لوكان حالقاً لما أراد أخوه الأخذ بلحيته, تبيّن لك من ذلك بإيضاح: أن إعفاء اللحيةمن السمت الذي أمرنا به في القرآن العظيم، وأنه كان سمت الرسل الكرام صلوات الله وسلامه عليهم. والعجب من الذين مضخت ضمائرهم، واضمحل ذوقهم، حتى صاروا يفرون منصفات الذكورية، وشرف الرجولة، إلى خنوثة الأنوثة، ويمثلون بوجوههم بحلق أذقانهم،ويتشبهون بالنساء حيث يحاولون القضاء على أعظم الفوارق الحسية بين الذكر والأنثى وهو اللحية. وقد كان صلى الله عليه وسلم كث اللحية، وهو أجمل الخلق وأحسنهم صورة. والرجال الذين أخذوا كنوز كسرى وقيصر، ودانت لهم مشارق الأرض ومغاربها: ليس فيهم حالق. نرجو الله أن يرينا وإخواننا المؤمنين الحق حقاً، ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
أما الأحاديث النبوية الدالة على إعفاء اللحية، فلسنابحاجة إلى ذكرها لشهرتها بين الناس، وكثرة الرسائل المؤلفة في ذلك. وقصدنا هنا أننبيّن دليل ذلك من القرآن. وإنما قال هارون لأخيه {قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ} لأنقرابة الأم أشدّ عطفاً وحناناً من قرابة الأب.
أضواء البيان : الشنقيطي
__________________
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: "وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يَتَّبِعُونَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَيَتَّبِعُونَ الْحَقَّ وَيَرْحَمُونَ الْخَلْقَ."
فسبحان من زين الرجال باللحي