مـــــــــات الصغير المغرد،.
طائر صغير نسجت اشعة الشمس ذهب جناحيه، وانحنى الليل عليه ، فترك من سواده قبلة بين عينيه، ثم سطت عليه يد الانسان فضيّقت
دائرة فضائه ،وسجنته في قفص كان عشه في حياته ، وحياته في مماته!
طائر صغير احببته شهوراً طوالاً ، غرد لكآبتي فأطربها ،وناجى وحشتي فآنسها ، غنى لقلبي فأرقصه ،ونادم وحدتي فملأها ألحاناً ،حلّ عندي
محل صديق لاتصلني به اللغة ،حببه اليّ حضوره الدائم ، وإن لم يبالِ هو بحضوري ، وصوته الرخيم وإن كان لايغرد إلا لأن التغريد من طبعه ،
وسروره الذي لايعرف الكآبة ،واصطباره على ضيق الفضاء ،وقناعته بما قدر له من النور والهواء.
إذا أتيته بالأزهار نازع عنها وريقاتها ، فارش بها أرض القفص، لعلي أرضيه، راح يدوسها بإهمال ،مواصلاً تغريده كأنه فيلسوف لا يكترث لصغائر،
وإن كانت جميلة المظاهر.
في الصباح ... كنت أفتح عيني ،فيستقبلني بالغناء ، وتسيل موسيقى ألحانه على قلبي، فتذيبه وتسكره في آنٍ واحد ، كنت اجلس للتحبير فتشمئز نفسي
من عبوس بعض الكتب ، ويثقل قلمي في يدي ، فيأخذ طائري في الزقزقة والتغريد ، فَتَبْسِمُ الافكار على صفحات الكتب ،وتنجلي الغيوم عن صفحة نفسي.
وفي المساء ... كان طائري يصمت إجلالاً لمهابة الظلام،فيخفي رأسه بين جناحيه ويجمُدُ جمود المفكر .
وآلان أنظر إلى القفص ،لقد صمت الطائر، وتجمد لمعان الشعاع على جناحيه فلاترى في القفص إلا قليل من الاشعة المائته.
مات الصغير المغرد ، مات صغير حشاشتي.(1)
(1) مما اخترته من كتاب كيف تكتب موضوعا انشائيا بتصرف.