من كتاباتي الرمضانية أسأل الله أن ينفع بها الجميع

رمضان شهر الدعوة

الحمدلله الذي جعل رمضان من خير الشهور منزلة وقدرا , والحمدلله الذي أنزل فيه الكتاب في ليلة مٌباركة نورا وهدى للمؤمنين وتبيانا وحجة على الكافرين وتدبرا وتعقٌلا للمتدبرين , والحمدلله الذي رسم به السبيل الإلهي والطريق السليم لخير البشرية محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم أما بعد :

أيها الصائمون الكرام : فإن الدعوة إلى الله لمن أوجب الواجبات , وأعظم القٌربات , بل هي وظيفة الأنبياء والمرسلين , ونهج المٌتقين , وديدن الصالحين من الصحابة " رضوان الله عليهم " والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ؛ فأنعم بها من وظيفة وأكرم بها من مهنة إذا كانت الدعوة بهذا الشرف والمنزلة والرفعة ...


قال تعالى : (( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين َ)) فصلت: 33


وبما أن القلوب في رمضان تخشع لذكر الله راجية من الله المغفرة والإنابة والرجوع إليه , وبما أن رمضان فرصة عظيمة لمحاسبة النفس بل أقول : (إن رمضان هدية ومنحة من الله لكل مقصر ونور على نور لكل مؤمن ومجتهد)


والحديث هنا في هذا المنبر وبالأخص في هذه الأيام المعدودات سيكون عن مفهوم الدعوة إلى الله من حيث : (مفهومها ، وفضائلها ، وآدابها)


أيها الصائمون الكرام : الدعوة إلى الله تشملٌ كل حسنة تٌقربٌ إلى الله من قول ، أو فعل ، او كتابة ، أو حركة ، أو سكنة ، أو خٌلق ، أو سلوك حسن , أو بذل للمال ، أو الجاه بحكمة وموعظة حسنة ، أو كل مافيه رفعة للإسلام ...


وقبل هذا كله يجب على الداعية أن يتسلح بسلاح عظيم وجليل قبل أن يخوض في الميدان الدعوي . ألا إن ذلك السلاح (هو العلم بالله) الذي هو مٌرتكز الدعوة ، والنور الذي يستنيرٌ به الداعي قال تعالى : ((فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ(( محمد : 19

وحسبك أيها القارئ الكريم بنصوص الشرع التي حثت على ذلك آمرة بالدعوة مٌعلية من شأنها مٌحذرة من التخاذل فيها مٌبينة فضائلها والأجور المٌترتبة عليها ، بل جاءت النصوص في ذلك الصدد على وجوه شتى ، وصيغ متعددة في القرآن الكريم .. فجاءت بصيغة الأمر بالدعوة بصريح لفظها قال تعالى : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ )


وقال تعالى )) إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ ))


وجاءت بصيغة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال تعالى :))كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ ((


وجاءت بصيغة التبليغ والنٌصح ، والتواصي ، والوعظ ، والتذكير ، والإنذار ، والتبشير ، والجهاد ، وفي أكثر من موضع في القران الكريم وجاءت بصيغة التحذير من التولي عن الدعوة ونُصرة الدين قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } (المائدة:54)


أما فضائلها فسأذكرٌ لك أيها القارئ الكريم ماذكره الدكتور / محمد بن إبراهيم الحمد في كتابهِ رمضان دروس وعبر تربية وأسرار (أما فضائل الدعوة وثمراتها التي تعود على الأفراد بخاصة ، وعلى الأمة بعامة فلا تكادٌ تٌحصى ، وأدلة الوحيين مليئة بذلك ، متضافرة عليه .


فالدعوة إلى الله طاعة لله ، وإرضاء له ، وسلامة من وعيدهِ .

والدعوة إلى الله إعزاز لدين الله ، واقتداء بأنبيائه ورسله ، وإغاظة لأعدائه من شياطين الجن والإنس ، وإنقاذ لضحايا الجهل والتقليد الأعمى .
والدعوة إلى الله سبب في زيادة العلم والإيمان ، ونزول الرحمة ودفع البلاء ورفعه .
وهي سبب لمضاعفة الأعمال في الحياة وبعد الممات , وسبب للإجتماع والألفة ، والتمكين في الأرض .
والدعوة إلى الله أحسن قول ، فلا شيء أحسنٌ من الدعوة إلى الله قال تعالى : (( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين َ)) فصلت: 33
وهداية رجل واحد خير من الدنيا وماعليها ، والدعاة ٌ إلى الله هم أرحم الناس وأزكاهم نفوسا ، وأطهرهم قلوبا ، وهم أصحاب الميمنة ، وهم ورثة الأنبياء ) أ . هـ

أما آداب الداعي وصفاته فلا بٌد له من أمورٍ يجب أن يتحلى بها سواء كان دعوتهٌ فردية أم عامة حيث ذكر الدكتور في كلامهِ عن صفات الداعي في كتابه ( ومن الصفات التي يجملٌ بالداعي أن يتصف بها : الصفح الجميل ، ومقابلة الإساءة بالإحسان ، والثقة بالله ، واليقين بنصره ، والرضا بالقليل من النتائج ، والسعي ُ للكثير من الخير ومنها : تجنبٌ الحسد ، وتجنبٌ استعجال النتائج ، وتجنب التنافس على الدنيا والإنهماك في ملذاتها ومشاغلها ومن آداب الداعية إلى الله أن يكون ملازما للين والرفق ، حريصا على هداية الخلق مٌستشعرا للمسؤولية ، قوي الصلة بالله ، كثير الذكر والدعاء والإقبال على الله بسائر القٌربات .
ومن آدابهِ : الحرص على مسألة القدوة ، وأن يغتنم كل فرصة للدعوة ، وألا يحتقر أي جهد في سبيلها مهما قل وأن ينزل الناسَ منازلَهم ، وأن يتحامى قدر المٌستطاع مايسوؤهم ، وأن يتحمل همهم وألا يٌحملهم شيئا من همومه .
ومن آدابهِ : تحسس أدواء المدعوين ، ومعرفة أحوالهم ، والبٌعدٌ عن الجدالِ إلا في أضيق الحدود وبالتي هي أحسن وتعاهد المدعوين ، وتشجيعهم ، وربطهم بالرفقة الصالحة ، ومٌراعاة الحكمة في إنقاذهم من رفقة السوء والبدء بالأهم فالمهم ، والبعد عن الإنتصار للنفس ، وتنويع وسائل الدعوة ، فتارة بالموعظة ، وتارة بالهدية ، وتارة بالتوجيه غير المٌباشر وهكذا ...
وإظهار الإهتمام بالمدعو ومعرفة اسمه , وإشعاره بأهميته ، وإشغالهٌ بما ينفعهٌ ) أ. هـ
فيا أيها الصائمٌ الكريم ويا أيتها الصائمة الكريمة ويا طالب العلم ويا من آتاهٌ الله بسطة في المال ويا أيها الإعلامي المسلم ويا من حباهٌ الله دراية ومعرفة بشبكة الإتصالات ومايٌسمى بالإنترنت ويا أيها المسلمون عموما : هذه هي الدعوة إلى الله وتلك فضائلها وآداب أهلها ، فحري بنا أن نكون دعاة إلى الله ؛ كلا بحسبهِ ، فهذا بعلمهِ ، وهذا بمالهِ ، وهذا بجاهه ، وهذا بجهدهِ ؛ لنحقق الخيرية ولنسلم من الوعيد .
وختاما نسألٌ الله أن يجعل شهرنا هذا ميدانا لاستباق الخيرات وأن نتعاون في نصح الغافلين ، وتذكير الناسين ، وتعليم الجاهلين ..
وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين
كتبه :
يوسف ضامن العنزي
معلم / حفر الباطن
12 _ 9 _ 1432
y_0070@yahoo.com