للهروب أسباب وأنواع ... وربما كان الهروب إلى الذات هو النوع الأصدق والأنقى... فليس أصدق من الذات في استقبالنا .
اهرب ... إذا كان في هروبك حياة جديدة لكبريائك وكرامتك التي أُهدرت تحت مُسمَّيات الحب والحنين والغيرة ومصطلحات أُخرى مزخرفة لا انتهاء لها .
إذا شعرت بأنّ الحزن بدا ينسج خيوطه حول قلبك النقي ويخنق بقايا الفرح فيك وبأنهم أصبحوا مصدراً عظيماً لهذا الحزن .
إذا شعرت بأن إحساسك تجاههم غباءة وخيالك بهم غباء ولهفتك عليهم غباء لا يفوقه غباء وبأنك بدأت تتحوّل مع الوقت إلى مُهرِّج مُضحك .
إذا شعرت بأن الطريق المؤدي إليهم بدأ يشعر بك وبأن الأرض التي تقف عليها أمامهم بدأت تشعر بك وبأن الجدران المحيطة بك معهم بدأت تشعر بك ومازالوا هم في طور اللاَّشعور بك .
إذا شعرت بأن المنطق يرفض إحساسك وبأن قيمك ترفض إحساسك وبأن نقاءك يرفض إحساسك وبأن إحساسك يرفض نفسه .
إذا باءت محاولاتك للوصول إلى قلوبهم بالفشل وباءت محاولاتك لتجاهلهم بالفشل وباءت محاولاتك لنسيانهم بالفشل .
إذا ضاق عليك الحلم وضاق عليك الأمل وضاق عليك النبض وضاق عليك المكان وضاعت ملامح الزمان في عينيك .
إذا أكسبوك عادات الحزن وفتحوا قابليتك للألم ودربوك على الجبن والانكسار وعلّموك البكاء بلا انتهاء .
إذا شعرت بأنك فجرت ينابيع الغرور في داخلهم وبأنك ضخّمتهم حد الانفجار وتقزّمت أمامهم حدّ التلاشي فأصبحوا أضخم من أن يروك أمامهم وأصبحت أصغر من أن تراهم .
إذا لاحظت أنك بدأت تتلوث كي تصل إليهم وبدأت لا تُشبه نفسك كي ترضيهم وبدأت ترقص فوق النار كي تبهرهم وبدأت تخون كي تلفت انتباههم .
إذا أصبح ليلك في بُعدهم ناراً عظيمة وأصبح يومك معهم ناراً أعظم وأصبحت تضاريس وقتك وسويعاته معاناة لا تنتهي .
إذا اكتشفت أن شيئاً ما في داخلك بدأ يموت وأن شيئاً ما فيك بدأ يذبل كالورد المقطوف وأنك بدأت تنتهي كالسراب في آخر الطريق .
إذا لاحظتهم يتلذذون بإذلالك ويتعمدون نكرانك ويقفزون فوق رفات حلمك الجميل بهم وكأنهم أصدروا حكماً خفياً بإعدامك .
إذا لمحت آثار البكاء عليهم فوق وسادتك أو شعرت بسمّهم يسري في عروق قلبك أو اكتشفت خنجرهم الغادر في ظهرك المطمئن لهم .
إذا سمعتهم يتهامسون بما ليس فيك ويلصقون بك من التهم ما لا تعلم ويقذفونك بالباطل ويرمون براءتك بذنب الذئب .
إذا أصبح إحساسك فانوساً مشتعلاً في عينيك وأصبح صوتك المرتعش لا يعبِّر عنك وأصبح صمتك المصطنع لا يسترك .
إذا طال انتظارك فوق محطات صراعهم ولمحت قطارات أيامك تفر أمامك كالجواد الغاضب وشعرت بأن لا شيء بقي معك سوى ظلّك المنطفئ .
إذا شعرت بأنهم بدأوا يُسيئون فهمك ويمزقون تاريخك ويشوهون عراقة إحساسك ويُطفئون مصابيح طريقك إليهم .
إذا شعرت بأن نفسك لا تستحق منك كل هذا الشقاء وبأنهم لا يستحقون منك كل هذا الإحساس .
فالهروب فى كل هذه الحالات افضل فليس اصدق من الذات فى استقبالنا