ما مدى صحة هذا الحديث ؟
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( عشرة تمنع عشرة ) : سورة الفاتحة تمنع غضب الله . سورة يس تمنع عطش يوم القيامة . سورة الواقعة تمنع الفقر . سورة الدخان تمنع أهوال يوم القيامة . سورة الملك تمنع عذاب القبر . سورة الكوثر تمنع الخصومة . سورة الكافرون تمنع الكفر عند الموت . سورة الإخلاص تمنع النفاق . سورة الفلق تمنع الحسد . سورة الناس تمنع الوسواس ) ..
الجواب :
الحمد لله
أولا :
باب فضائل القرآن الكريم من أكثر الأبواب التي وضع فيها الوضاعون أحاديثهم ، ونسبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان كثير منهم يحتسب ذلك عند الله ، ويظن – لفرط جهله – أنه إنما يرغب الناس بكتاب الله تعالى ، وهو في الحقيقة يرتكس في وعيد النبي صلى الله عليه وسلم حين قال : ( مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَليَتَبَوَّأ مَقعَدَهُ مِنَ النَّارِ ) رواه البخاري (1291) ومسلم (933) .
ومن أمثلة ذلك : ما رواه الحاكم في "المدخل" (54) بسنده إلى أبي عمار المروزي أنه قيل لأبي عصمة نوح بن أبي مريم : من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة ، وليس عند أصحاب عكرمة هذا ؟ فقال : إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن ، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ، ومغازي ابن إسحاق ، فوضعت هذا الحديث حِسبة .
( يعني أنه يبتغي بها الثواب عند الله ) .
وقد اتفق العلماء على حرمة رواية الحديث الموضوع ونسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم . قال صلى الله عليه وسلم : ( مَن حَدَّثَ عَنِّي حَدِيثًا يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ ، فَهُوَ أَحَدُ الكَاذِبَِيْن ) رواه مسلم في مقدمة صحيحه .
قال النووي رحمه الله "شرح مسلم" (1/71) :
" يحرم رواية الحديث الموضوع على من عرف كونه موضوعا ، أو غلب على ظنه وضعه ، فمن روى حديثا علم أو ظن وضعه ، ولم يبين حال روايته وضعه ، فهو داخل في هذا الوعيد ، مندرج في جملة الكاذبين على رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى .
ثانياً :
أما الحديث المذكور في السؤال ، فلم نجده في شيء من الكتب ، لا الصحيحة ولا الموضوعة ، بعد البحث الشديد عنه ، فيبدو أنه لا أصل له البتة ، وذلك مما يعجب له المسلم ، أن وضع الحديث لا زال مستمرا إلى أيامنا هذه ، وأن الأحاديث الموضوعة في تكاثر مستمر ، والله المستعان .
وبعض السور المذكورة في هذا الحديث لم يصح شيء من فضائلها ، وهي :
سورة يس والدخان والواقعة والكوثر .
انظر : "تدريب الراوي" (2/372) ، وكتاب "الصحيح والسقيم في فضائل القرآن الكريم" وراجع جواب السؤال رقم (6460) .
أما الفاتحة : فقد جاء في فضائلها أحاديث كثيرة ، ليس في شيء منها أنها تمنع غضب الله .
وأما سورة الملك : فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إِنَّ سُورَةً مِنَ القُرآنِ ، ثَلَاثُونَ آيَةً ، شَفَعَت لِصَاحِبِهَا حَتَّى غُفِرَ لَهُ (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلكُ) رواه الترمذي (2891) وقال : حديث حسن ، وصححه ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (22/277) ، وابن الملقن في "البدر المنير" (3/561) ، وقال ابن حجر "التلخيص الحبير" (1/382) : أعله البخاري وله شاهد بإسناد صحيح ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
وانظر جواب السؤال رقم (26240) .
وأما سورة الكافرون : فالذي صح في فضلها ، ما جاء عن نوفل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عنها : ( إِنَّهَا بَرَاءَةٌ مِنَ الشِّركِ ) رواه أبو داود (5055) وصححه ابن حجر في "تغليق التعليق" (4/408) والألباني في صحيح أبي داود .
وسورة الإخلاص أيضا لم يأت في فضلها أنها تمنع النفاق ..
والمعوذتان تمنعان من الشيطان والعين والحسد وسائر الشرور ، فقد جاء عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (تَعَوَّذ بِهِمَا ، فَمَا تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذٌ بِمِثلِهِمَا) رواه أبو داود (1463) وصححه الألباني في صحيح أبي دواد .
الخلاصة : أن هذا الحديث مكذوب لا أصل له .
وقد حكم عليه الشيخ ابن عثيمين بالكذب في المجموعة الرابعة من خطب الجمعة ، في خطبة مسجلة بعنوان ( مسؤوليات الإمام والمأموم في الصلاة ، بعض المكذوبات عن الله تعالى ورسوله ) ، وهي مطبوعة في موقعه رحمه الله .
والله أعلم .
منقول للفائده
الإسلام سؤال وجواب