ما يزال في كل الأفق سعة ... وفي كل الأمور رحابة ... وفي كل ذات طريق مخرج
إلى أن يصل الأمر إلى عقيدة فاق أهلها المليار ...
عندها يتضاءل الكون شرقه وغربه حتى يكاد يبدو من سم الخياط أضيق!!
ولو أن مجرما كاد أهل الأرض أجمعين سلبا ونهبا وتقتيلا ... لتداعت له الهيئات والمنظمات في الكوكب الأرضي على مختلف أنماطها لتثبت له حقا في الدفاع عن نفسه وتبرير موقفه ...
أو على الأقل..أن يقول ... فيسمع لقوله!!
إلا نحن بني الإسلام .... فكما أنه لا حق لنا في هجوم ... فمن الأولى أن لا يكون لنا حق في دفاع ...
بل حتى لو تنحينا وصمتنا لا فعل ولا رد فعل ... لصفدونا في الأغلال وحملونا إلى أقاصي الأرض بوزر نياتنا التي لعل أو ربما تراود بنيات أفكارنا في هجعة منام ذات أضغاث أحلام !
وقد عابوا علينا ...كلمتين ... ولاء وبراء ...هي على صدورهم كالجبال...
ونحن عندنا منصوص بحق أن : " أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله"
وما الدين إلا الحب والبغض والولا ... كذاك البرا من كل غاد وآثم
عابوا علينا ...
فنحن لا حق لنا أن نحب ولا أن نبغض كباقي البشر..حتى قلوبنا يريدونها أن تسير بضغطة زر منهم
ولا عجب!!
ألسنا إن أحببنا كان حبنا تبعا لحب إلهنا الذين ندين له بالتوحيد وننقاد له بالعبودية الخالصة ، فنتبرأ من أن نجعل له ابنا ولا شريكا ولا ندا سبحانه وتعالى علوا كبيرا
وكنا بهذا الحب حزبا لأوليائه ننصح لهم ، نناصرهم ، نواسيهم ، ندعو لهم......
(وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) (المائدة: 56)
و حربا على أعدائه ..نبغض انحرافاتهم ..نخالفهم.. نفارقهم..نعاديهم ... ونحاربهم....
(لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ...) (المجادلة:22)
أما وقد تجرؤوا على الله أعظم الجرأة سبحانه وتعالى عما يصفون
وكان أنهم أول ما ظلموا تطاولوا فقتلوا الأنبياء خيرة الخلق بغير حق وما أمروهم إلا أن قالوا : (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ )
وعادوا شريعة الله وكادوا لتعطيل الحكم بما أنزل الله وتكاتفوا للقضاء على أهلها ودعاتها
وإنهم لما سلكوا سبيل الغي فأعياهم العود ودوا لو أن جميع الناس مثلهم في بضاعة الضلال الكاسدة
وقد نقموا منا أن قلنا لا إله إلا الله ... و عابوا علينا جهادا نريد به إحقاق الحق وأن تنعم المجتمعات بثمرات الإيمان ،نتحرى فيه للناس حقوقا ونقيم فيه عدلا .. وكأنها ما حاربت أمة قط دون عقيدة إلا أهل الإسلام!
فأين إذن حروبهم الصليبية !!
وأين من قتلوا وعذبوا وأحرقوا ونهبوا وارتكبوا الفظائع المهولة!!
وما بلاد البوسنة منا ببعيد ... ولا فلسطين ولا العراق ...
فهل نلام على غيظ قلوبنا وبغضها لهم حتى قال الواحد منا :
لا أقدرُ أن أنظر إلى من افترى على الله وكذب عليه!
أفلا ننقم منهم !!!
بل إن نقم قلوبنا يوشك أن يوردهم المهلكة وقد حان نفيره بإذن الله
وعابوا علينا ...
ولكنهم لا يعيبهم ما يرون في عرق ما تفوقا على من سواه... ويعادون بني البشر إن شابت وجوهم سمرة وحنطة أو أي لون غير لونهم ...
تمييز عرقي ...فنسب دوني ونسب فوقي ... له ألف ألف تبرير...
أليس يقتل الرجل في بلادهم لا ذنب له سوى لون بشرته!!
أليس يضطهد الأبرياء ... فيسلبون الحقوق ويغيبون في السجون ويكابدون الفقر والعيش في الأزقة الضيقة وينادون بأبشع الصفات والألقاب...
ما ذنبهم إلا لون بشرتهم!
وقد يتسترون على ذلك فيمنحون بعض المناصب هنا أو هناك لنفر قليل من الفئات (الممقوتة)... ليتوهم من لا يعلم أن المساواة المطلقة تسود مدينتهم الفاضلة!!
ثم يعيبون علينا !!
وقد رفعنا التقوى ميزانا للتفاضل فلا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى... وبلال منا .. مؤذن رسولنا عليه الصلاة والسلام ... نحب سيرته وما زلنا وسنظل بإذن الله نعلم أولادنا جيلا بعد جيل كيف وصل الحال بذلك المؤمن حتى سمع خشف نعليه في الجنة !!
وعابوا علينا ...
فتذمروا أن مناهجنا مليئة بالحقد على ( الكافر) ... فتارة علينا جهاده... وتارة عليه دفع جزية...
وأبوا أن يتربى أبناء المسلمين على معاداة ذلك ( المسكين) !!
فلما هموا بسد أبواب الفرقة والبغضاء ... ورّدوا لنا صفوة من الخبراء ... ليعلمونا كيف نربي الناشئة من عمر ما قبل الفطام على ثقافة السلام...
ومن هنا ... حذفنا آيات الجهاد ... واستبدلنا بـــ(أعدوا)... دروسا تقول ( عليكم أن تودوا) ... فلم يعد لنا حاجة في عدة ولا عتاد ...
وحين اشتدت الحاجة في المناهج وتأزم الوضع الهائج المائج ...أعدنا الكتب للمطابع ... فلفظة ( الكفار ) ثقيلة الوطء ... كأنها تثير النقع في المسامع ...
وخير منها أن نقول( غير المسلمين) ... إخواننا هم.. فلا تجعل الأطفال يلتفتوا ليسألوا : من أي دين ؟!
حتى من الأسماء خافوا !!... فشطبوا على من فضحهم وهمشوا وحذفوا!!
فأين في المقرر ابن القيم بل أين ابن تيمية؟!
يا هؤلاء ...دروسنا هيهات أن توأد...راسخة الجذور في أرواحنا ...من قبل أن نولد:
(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) )
واضحة بلا فصال!!
وعابوا علينا ...
فقالوا : سنبني الدير والكنيس جنبا إلى جنب مساجدكم!
ونطبع التوراة والإنجيل في غلاف واحد مع القرآن!
يريدونه "تسامحا" زائفا تذوب فيه العقيدة حتى تنخلع من قلوب بني الإسلام
و "حوارا" ملتويا يظاهرون فيه ضلالاتهم ويظهرونها
فليست تلك الدعوات الهدامة رغبة حقيقية في الوصول إلى قاعدة ينطلق منها التفاهم والنقاش المؤطر بالموضوعية والصدق
وإنما محض شرك يلغي الفوارق بين معسكر الكفر ومعسكر الإيمان
إن لم يتمكنوا خلاله من جر الناس إلى عبادة الصليب فإنهم على أقل تقدير يريدونه أن يخلق أجيالا مزعزعة الإيمان، لا يستقر في نفوسها توحيد، ولا تحركها غيرة على محارم الله ،ولا ترى فيهم الأعداء الذين يتوجب مدافعتهم
عندها ينساق هذا الجيل بكل سهولة في تيارات مجتمعاتهم ومجاراتهم وتقليدهم حتى تذوب هويته الإسلامية شيئا فشيئا ، ثم يندثر!
وما عقدهم للحوارات في قلاع الحملات الصليبية إلا دليل بين لمن كان له قلب يعي أبعاد المواقف ويزن الأمور بموازينها ، وما تخفي صدورهم أكبر!
وبعراك الأفكار هذا يستطيل شرهم فهم يقحمون نفرا منا ،محسوبين على أهل العلم ، حتى يكون من خلفهم من العامة تبعا لهم ينساقون وراءهم ،وفي نفس الوقت يظهر من يعترض عليهم بصورة المتطرف المتزمت الرجعي...وسيلة مكشوفة لشق الصف!!
فيا عباد الصليب وزمرة الحقد والتكذيب والدسائس والألاعيب
(كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) (الممتحنة : 4)
وما دعواتكم الزائفة بالتي تمنعنا عن المضي قدما في مواجهتكم ومقت الباطل الذي أنتم عليه وإزاحة الستار عن ليله المظلم
نواجهكم ... فنزداد إيمانا بعقيدتنا ويقوى صمودنا ونشتعل حماسا لنكون في الخندق المقابل ضدكم
نواجهكم ...وفي قلوبنا يقين كامل بأنكم تمكرون وتبذلون وتألمون والله معز لدينه ناصر لأوليائه ...
فمن منصة حواراتكم اللادينية سينطق القساوسة بالشهادة فتكبر الجموع من ورائهم!
وعابوا علينا ...وعابوا
وما ضر القافلة السائرة ...
وإن عقيدتنا لكياننا كمسلمين... كماء تشربته الجذور فاستوى الغرس على سوقه
هي أساس حياتنا ... ولو أهملنا الأساس لما تم للبنيان نهضة
ترتقي بالانسان في مدارج الحضارة والخيرية باستعلاء وعزة مكتسبة من الإيمان الراسخ
فتتمايز الغايات المتطلعة لموعد الآخرة عن الغايات المتهالكة وراء شعاب الدنيا وحطامها
وتتباين أساليب الحياة المسيرة وفق طريق الاستقامة عن أسلوب الحياة المعوج باعوجاج مداخلات أهوائه وتفرق نزواته
ويأنف الفرد الذي تربى في محاضن الإيمان عن أن يركن طرفة عين للكافرين وما هم عليه من صد عن سبيل الله
(( كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلّاً وَلا ذِمَّةً)) (التوبة: من الآية8)
وشتان بين مجتمع يغالب الانتحار الجماعي ومجتمع يشد بعضه بعضا كالبنيان الواحد
وهنا دورنا الكبير الذي علينا أن نعيه تماما
وهو أن نجاحنا في تأصيل تلك العقيدة في نفوسنا لهو المنطلق لفتوحات واستقرار وازدهار أصيل المعدن
وهذا يتطلب رعاية أنفسنا وتفقدها وتقييمها على ضوء من الكتاب والسنة ، نتدبر الآيات التي بين أيدينا ونتأمل السير العطرة لخيرة الخلق من الأنبياء والسلف الصالح الذين أنعم الله علينا بأن جعل فينا أمثالهم هداة مهديين
وأن نوقف أنفسنا حال ذلك مقام الناقد الحريص الذي يميز فيها الخبيث من الطيب فإن الله تعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
وأن نخلص القلوب من العلائق التي تقطع طريقها إلى الله عز وجل تخلية لا رجعة فيها
و نحسن تحليتها بحبه تعالى ورجائه وخوفه ورغبته ورهبته والإنابة إليه وحسن التوكل عليه
فإن هذه الأعمال القلبية نور نمشي به بين الناس ، منبتها في القلوب ولكن لها انعكاسا جليا جميل الأثر في سائر الأقوال والأفعال وجميع الأحوال
وأن نفطن إلى أهمية تربية الناشئة وندرك حجم الهجمة المتربصة بهم، فلا نرضى أن يصيبنا الكبر وقد تركناهم من ورائنا ذرية ضعفاء مزجاة بضاعتهم من رصيد العقيدة.
وفي نفس الوقت نتقبل حقيقة أن الأسرة هي المدرسة الأساس في غرس العقيدة بعد أن أصبحنا لا نعول على أغلب ما تحشى به كتب المدارس إلا ما رحم ربي
وأن لا نكتفي بانتظار النصر الموعود مكتوفي الأيدي ، بل نحرص كل الحرص على أن نكون ضمن كوكبة المبادرين الباذلين الذين يحملون على كاهلهم المسؤولية دون أن ينتظروا أن يطلب منهم ذلك .