يطلق على تــــــــــــــــــغـــــــــــــــــــــــــلب بن وائل الغلبـــــــــــــــــــــــــــــاء0
-قال العوتبي : (( وكانت العرب تسميها الغلباء لكثرة غلبها وشدة سطوتها,
قال الشاعر:
وفي الغلباء تغلب أهل عز *** و أحلام تعود على الجهول .
وهم سنام ربيعة وأهل بأسها ))0الأنساب 1/153
-وذكر الفيروزبادي : ( أن الغلباء من القبائل العزيزة الممتنعة,وانها تطلق على تغلب وائل ).تاج العروس 1/ 414
ومن شواهد الشعر في تغلب وائل :
1-وأورثني بنو الغلبــاء مجدا *** حديثا بعد مجدهم القديم
2-وكذلك قول طرفة بن العبد من بني بكر بن وائل ابناء عم تغلب :
ستصبحك الغلباء تغلب غارة *** هنالك لاينجيك عرض من العرض
3-وكذلك قول العديل بن الفرخ العجلي الوائلي في كلامه عن تغلب وائل:
ولتغلب الغلبــاء عز بين ***عادي يزيد فوق الكاهل
الحديث في هذا الموضوع عن قبيلة تغلب في الجاهلية وقوتها ومنعتها ومن ننتقل عن سيادة كليب على ربيعة وشطوته وشهرته ونبذة عن يوم خزاز...
تغلب في الجاهلية
ينبي المأثور من أخبار تغلب ومن شعرائها أنها كانت قبيلة عزيزة الجانب ، أبية عصية الا أن يكبح جماحها متسلط بجبروت ، وأنها كانت ذات أنفة وفخر عريض بما توارثته أجيالها من حسب عد ، ومآثر باقية ، وانتصارات حققها فرسانها وأبطالها الصيد على السوقة والملوك ، وأنها كانت تنزل حيث تريد بكل أرض تتخذها مصيفا أو مرتعا وتصحر أينما تشاء لا تخشى أحدا ولا يمتنع من دونها أحد ، لعزتها ، وقوة بأسها ، فمع الغيث منزلها تستقبل به ولها صفو المشارع ، والورد أولا ، ولها الامن ، ويثير اسمها الرعب ولها الشبع والري حتى نكاد نصدق قولا الاخنس التغلبي :
ونحن أناس لا حجاز بأرضنـــا =مع الغيث ما نلقي ومن هو غالب
بينما نقف من دون غلوم عمرو بن كثلو في قوله :
ملأنا البر حتى ضاق عنـا= ونحن البحر نملؤه سفينـا
إذا بلغ الرضيع لنا فطاما=نخر له الجبابر ساجدينــا
وقد اشتهر من قبيلة تغلب من يدعو الاراقم ، وكانوا ستة : جشم ومالكا وعمرا وثعلبة ومعاوية والحارث ، وهم الذين أشار اليهم الحارث بن حلزة في قوله :
إن أخواننا الاراقم يغلون=علينا في قيلهم أحفـــاء
وافتخر القطامي الاسلامي بنسبه فيه اذ قال :
ويفدني الاراقم خير رفـــــد=وشيبان بن ثعلبة القروم
بيد أن أكبر بطنين من بطون تغلب كانا بني جشم بن بكر ومالك بن بكر ، ومن بني جشم عمرو بن كلثوم ومن ولد عمرو بن كلثوم بن عمرو العتابي ، ومالك بن طوق صاحب الرحبة المعروفة باسمه ، وكان يعاصر العتابي ويتودد إليه ومن بني تغلب الحمدانيون سيف الدولة وناصر الدولة والامير أبو فراس الحمداني.
ونستطيع تتبع سير الاحداث التي وقعت في الجاهلية بين العرب عامة وبكر وتغلب خاصة وبين الفرس في عهد سابور الملقب بذي الاكتاف ، لنتعرف على أول تاريخ لها ، وعلى ميادين هذه الاحداث لنلقي الضور على هجرتها وتنقلها هنا وهناك ونستقصي الدوافع التي كانت وراء هذه الهجرة..
ففي منتصف القرن الرابع الميلادي ، وسابور الثاني الذي رأى دولته تنقص من أطرافها قد حزم أمره عندما بلغ أشده على أن يسترد ما غتصب من نواحي مملكته ، وأن يبطش بالذين كانوا لا يفتأون يعملون يد السلب والنهب في كل ما يصلون إليه على امتداد التخوم المجاورة لبلاده من سواحل البحرين حتى أعالي العراق حيث كانت تسكن قبائل عربية من ربيعة ومضر واليمن وبخاصة بكر وتغلب وعبدالقيس وتميم ، فقتل سابور منهم وسبى ، وعتاعتوا شديدا ، حتى قيل : أنه كان ينزع أكتاف رؤوسهم ومن أجل ذلك سمي سابور ذا الاكتاف...
وتحدد الوقائع التي وقعت بين نزار واليمن ثم بين بكر وتغلب نوع العلاقة التي كانت تحكمهم ، وأسباب الصراع الذي كان ينشب بينهم ، كما أنها توضح معالم المنازل ولاديار التي كانوا يحلون بها ويحمونها ، فمنذ غزتهم حمير زوخضعت بلاد نجد لامرة زهير بن جنابا لكلبي ، قاومت تغلب سلطانه ، ورفضت دفع الاتاوة التي فرضها عليها ، وكان هذا الرفض سببا في بطش اليمينيين تحت قيادة زهير بن نزار ، وبتغلب خاصة ، إذ أسر كليبا ومهلهلا ً ، ثم كان يوم الثأر يوم خزار ، حين جمعت معد جموعها وقادها كليب في معركة النصر ، واشتهر ذلك اليوم في شعر شعراء تغلب ، وافتخروا ببطولة شجعانهم وعظم وفدهم فيه ، فقال مهلهل يرثي أخاه كليبا :
من عرفت يوم خـــــــــــزاز له=عليها معد عند جيد الوثـــــوق
إذا أقبلت حمير في جمعهـــا= ومذحج كالعارض المستحيق
وجمع همدان لهم لجبـــــــــــة= وراية تهوي هوى الانـــــــوق
ولم يصح ما قيل من أنه (( لولا عمرو بن كلثوم ما عرف يوم خزاز )) اذ قال :
ونحن غداة وفدٍ في خزازي= رفدنا فوق رفد الرافدينــــا
فقد سبقه الى ذلك مهلهل كما قيل ، والسفاح التغلبي ( سلمة بن خالد ) القائل :
هلهلة بت أوفد في خزاز=هديت كتائبا مستحيرات
وخزاز جبل في عالية نجد الشمالية ، ولايزال يعرف باسمه لهذا اليوم
وكان انتصار كليب في هذا اليوم انتصارا للعرب وفخراً لتغلب لم تزل تردده أجيالها المتعاقبة ، ولذلك عد مقتل كليب بسبب ناقة خسارة نشبت من أجلها حروب طويلة الامد قيل أنها بلغت أربعين سنة منذ أوائل القرن الخامس ، وقد دارت رحاها على أماكن كثيرة ، وطحنت منهم خلقا عظيما وكان أيامها في خمسة مواضع ، هي على ترتيب البكر في ( معجم ما استعجم ) : ( النهي ) ، وكان منهلا لشيبان بن بكر في بلاد اليمامة ( والذنائب ) وهي بنجد ( وواردات ) بنجد أيضا في موضع عن يسار طريق مكة ، وهو الذي قال فيه مهلهل التغلبي :
فإني قدر تركت بواردات = بجيراً في دم مثل العبيــر
وتلك الثلاثة الايام كانت الغلبة فيها لتغلب ، وكذلك اليوم الرابع ، يوم عنيزة الذي انتصر يه مهلهل على بني عمه بقوله :
كأننا غدوة وبني أبينا= بجنب عنيزة رحيا مدير
اما اليوم الخامس فقد تغيرت فيه الحال ، وهو يوم قضة أو يوم التحالق وقضة : جبل على مسير ثلاث ليال من اليمامة وفيه لقيت تغلب من بكر هزيمة ، وذهبت بكر بالفخر لانتصارها في تلك الموقعة التي شهدها الحارث بن عباد ، وكان قد اعتزل هذه الحروب التي نشبت بمقتل كليب لانه استفظع قتله في ناقة وفي هذا اليوم قال :
قربا مربط النعامة منـــي = لقحت حرب وائل عن حيال
لم أكن من جناتها علم الله= وأني بحرها اليوم صـــال
وإنما سمي يوم التحالق في قول الرواة لان الحارث أمر قومه أن يحلقوا رؤوسهم ليكونوا معلمين ، وافتخر طوقة بهذا النصر لانه كان عظيما ولانه كان أول يوم انتصفت فيه بكر من تغلب في حرب البسوس فقال :
سائلوا عنا الذي يعرفنــــــــا= يقرانا يوم تحـــــــــــلاق اللمم
ويم تبدي البيض عن أسواقها=وتلف الخيل أعراج النعــــــــم
ثم جرت أحداث بعد هذه الايام لم تبلغ مبلغها ، ووقعت مزاحفات ومغاورات على فترات ، حتى قيل : إن حرب البسوس دامت أربعين سنة تعقب فيها بعضهم بعضا على ساحة أرض ربيعة من شبه الجزيرة العربية والجزيرة الفراتية الى أن كان يوم الثأر ( في الكلاب الاول ) لتغلب من بكر عندما عادج الحيان الى خلافهم القديم بعد ما حقن دمائهم ( الحارث ) ابن عمرو المقصود أمير كندة ووسط شبه الجزيرة العربية ، وقد وقع الخلاف بين بكر وتغلب
وكانت بكر الى جانب ( شرحبيل بن الحارث ) ووقفت تغلب الى جانب أخيه سلمة بن الحارث بن عمرو الذي قتله المنذر الثالت أمير الحيرة من قبل كسرى أنو شروان ( 529هـ ) ومن ثم إختلف ابناه على الحكم من بعهد
وكانت تلك الواقعة المشهورة بيوم الكلا ، والكلاب ماء تميم ، أو هو ماء بين البصرة والكوفة ، وقد افتخر ( جابر بن حني ) بانتصار قومه التغالبة وبلائهم فيه بقوله :
فيوم الكلاب قد أزالت رماحنا = شرحبيل إذا آلي اليَّة مقســـــم
لينتزعن أرماحنا ، فألزالـــــه= أبو حنش عن طهر شقاء صلدم
وجابر هذا هو الذي كان يشكو مما صارت إليه أحوال قومه تغلب من تفرق وما خضعوا له في مهاجرهم بأرض شمالي العراق من عسف وإرهاق بغرائب ثقيله فقال :
وفي كل أسواق العراق أتــــــــاوة = وفي كل ما باع أمرؤ مكس درهم
أما أبو حنش المذكور في هذا الشعر فهو عصم بن النعمان بن مالك بنعم عمرو بن كلثوم
وبمقتل شرحبيل وانهزام بكر ولجوئها الى جوار المنذر الثالث بذل محاولته لاصلاح ذات بينهما ليتمكن من بسطة سلطانه عليهما والاستعانة بهما في قتال ( الحارث بن شمر الغساني ) ، وقد تم الصلح بينهما بمعاهدة مكتوبة أشار إليها الحارث بن حلزة في قوله :
واذكروا حلف ذي المجاز وما قام=فيه العهود والكفـــــــــــــــــــــلاء
حذر الجور والتعدي وهل ينقـــض=ما في المهارق الاهـــــــــــــــواء
ومع ذلك قتل الحارث الغساني المنذر الثالث فحاول ابنه المنذر الاخذ بثأره ، ولكنه قتل أيضا في الوقعة المعروفة ( بعين أباغ ) - وهي طرف بأرض العراق مما يلي اليوم - ثم ملك أخوه عمرو بن هند ( 554- 568م) وثأر من الغساسنة لابيه وأخيه مستعينا بالبكريين إذ كانت تغلب له كارهة ، وبينهما بقيت بكر في جوار اللخمين جنودا في قتال أعدائهم ، ذهبت تغلب مناوئة لعمرو بن هند وخارجة عن بسطة سلطانة الى حد تهديده وعصيان من ولاه عليها ، كما يصور ذلك عمرو بن كلثوم في قوله :
بأي مشيئة عمرو بن هند = نكون لقليكم فيها قطيينا
تهددنا وتوعدنا رويـــــدا ً= متى كنا لامك مقتوينــــا
مشيرا بذلك الى محاولة إخضاعهم على (الغلاق التميمي ) ولكنه فشل ، وجرى قتل عمرو بن هند على عمر بن كلثوم في قصة مشهورة ثم سرعان ما تفاقم الشر بين بكر وتغلب في وقعة ذي قار التي ذهبت بكر مفاخرة ، بانتصارها على الفرس وعلى من وقف الى جانبها بدافع من أجقاده القديمة مثل بطون تغلب والنمر وقضاعة المستوطنين بأرض الجزيرة الفراتية ، وكانت غلبة بكر سببا في تحرير قبائل كثيرة في وسط شبه الجزيرة العربية من النير الاجنبي ومهدت بهذا النصر الطريق لظهور الاسلام ....
مرت هذه الاحداث والوقائع على امتداد النصف الثاني من القرن الخامس وشملت القرن السادس ومطلع السابع ، والذي يتتبعها يلاحظ هجرة بعض القبائل العربية من الجنوب والوسط ويلحظ أن العامل الاقتصادي وبعض العوامل الجتماعية كانت وراء هذه الهجرة منذ بدأت في القرن الثاني عشر بنزوح السبئيين بسبب انهيار سد مأرب وبسبب القحط الذي أصاب أرض اليمن وحضرموت ، فرحلت قبائل من كنده إلى نجد ، وبعض الازد الى شمال اليمن ويثرب المدينة كما هاجرت قضاعة وخزاعة وتنوخ وخثعم وجذام وكلب وعاملة وطيء الى الوسط وشمال شبه الجزيرة ، وامتدت هجرة بعضها حتى بلغت سهول الفرات وبعض حواضر الشام كحاضر قنسرين وحاضر حلب اللذين كانا لتنوخ ومعها غيرها من القبائل ووقع اختيارهم لسكني هذه الحواضر وانها كانت تقع في أطراف المدن قريبا من البوادي خضوعا لنظام الحياة الذي دأبوا عليه وألفوه...
ولعل بداية هجرة تغلب تعود الى ما قبل عهد سابور الثاني الملقب بذي الاكتاف الذي أوقع بعرب ربيعة في منتصف القرن الرابع حينما قصد بمرا وتغلب فيما بين مناظر الشام والعراق فقتل وسبى وغور مياههم وكانت هجرتهم بطيئة وتمت على مراحل لانها كانت ترتبط بالظروف والاحداث السابقة ....
سيادة كليب على ربيعة :
لما مات ربيعة بن الحارث سيد قبائل ربيعة بن نزار في أواخر القرن الخامس للميلاد خلفه كليب في السيادة ، وكان لبيدة بن عقبة عامل ملوك كندة قد تزوج الزهراء أخت كليب فطغى على ربيعة وثقلت وطأته عليهم فأنكرت الزهراء عليه صنعه بربيعة فقال لها ما بال أخيك كليب ينتصر لمضر ويهدد الملوك كأنه يعز بغيرهم فقالت : : ما عرف أعز من كليب وهو كفو لها ، فغضب لبيد ولطمها لطمة أغشت عينها فخرجت الى أخيها كليب وهي تقول شعرا ً :
ما كنت أحسب والحوادث جمة= أنا عبيد الحي من قحطـــــــان
حتى أتتني من لبيد لطمــــــــة= فغشت لها من وقعة العينــــان
أن ترض أسة تغلب ابنة وائــل= تلك الدنية أو بنو شيبــــــــــان
لايبرحوا الدهر الطويل أذلـــــة = هدل الاعنة عند كل رهـــــــان
فلما سمع كليب قولها ورأى ما بها من أثار اللطمة ثارت به حميته فهجم على لبيد وعلاه بالسيف فقتله وقال :
إن يكن قتلنا الملوك خطــــــــــــــأ= أو صوابا فقد قتلنا لبيـــــــــــــــدا
وجعلنا من الملوك ملوكــــــــــــــا= بجياد جرد تفل الحديـــــــــــــــــدا
ذا شعار الحرب الذي يحلف الناس= به قومكم ونذكي الوقــــــــــــودا
أو تردوا لنا الاتارة والفــــــــــيء= لولا نجعل الحروب وعيـــــــــــــدا
أن تلمني عجائز من نـــــــــــــزار= فأراني فيما فعلت مجيــــــــــــداً
فلما رأت ربيعة أن كليبا قتل لبيدا أيقنت بأن الحرب بينهما وبين ملوك كندة لا محالة ، وكان للبيد أخ فخرج حتى أخبر ابن عنق الحية بقتل أخيه فأبلغ ذلك الى سلمة بن الحارث ملك قيس فبلغه الى ملوك كندة وحمير باليمن فجهزوا جيشا كثيفا وسيروه الى ديار ربيعة وجاءت الاخبار الى كليب بما أعد له أهل اليمن فنادى في قومه بالغارة فأجابته القبائل من ربيعة ومضر وأياد وطيء وقضاعة وعقد الالوية وتقدمهم برهطه حتى غشى جيوش اليمن فوقعت بينهم عدو وقائع..
وكانت قبائل اليمن قد نزلت خزازي وعليهم عشرة من أقيال الحمير فلما علم كليب ذلك ألفى النفير في جموعه وحثهم على الثبات ، ثم قدم على كل قبيلة قائدا فقدم الاحوص بن جعفر على مضر ومرة بن ذهل أبا جساس على ذهل وشيبان وذهل بن حارثة على ربيعة وطرفة بن العبد على قيس وجعل على مقدمته سلمة بن خالد وهو السفاح التغلبي وأمره أن يعلو خزازي فيوقد النار ليهتدي بها الجيش ، وقال له إن غشيك العدو فأوقد نارين ، وكانت طلائع اليمن وبعض الاقيال قد سبقوهم الى ماء الذنايب فسار اليهم كليب بمجموعة فقتلتهم عن آخرهم ثم اتجه نحو خزازي فأوقد السفاح لهم نارا فهجمت عليه قبائل مذحج وعليها سلمة بن الحارث فرفع السفاح نارا اخرى فأقبل كليب في جموع ربيعة فصبحهم والتقوا بخزازى واقتتلوا قتالا شديدا داما أياما فانهزمت جموع اليمن وانتصرت نزار نصرا ً مؤزرا ً وفي ذلك يقول كليب شعرا ً :
لقد عرفت قحطان صبري ونجدتي=غداة خزازي والحتـــــــــوف دوان
غداة شفيت النفس من ذل حمــــير= وأورثتها ذلا بصدق طعــــــــــــان
دلفت اليه بالصفائح والقنـــــــــــا= على كل ليث من بني غطفــــــــان
ووائل قد جزت مقاديم يعــــــــرب= فصدقها في صحوها الثقـــــــلان
قال ابن الاثير ، وكان يوم خزازى أعظم يوم التقته العرب في الجاهليه ، فان نزارا لم تكن تنتصف من اليمن ولم تزل اليوم قاهرة لها في كل شيء حتى كان يوم خزازي فلم تزل نزار ممتنعة قاهرة لليمن في كل يوم التقوا به بعد خزازي حتى جاء الاسلام ، ولما انتصر كليب وفض جموع اليمن وهزمهم في هذه الوقعة اجتمعت عليه معد كلها ، وجعلوا له قسم الملك وتاجه وتحيته وطاعته ، وكان من بغيه أنه كان يحمي مواقع السحاب فلا يعرى حماه ، وكان له جرو وكلب فاذا نزل بمكان فيه كلأ ، قذف ذلك الجرو فلا يرعى أحد من ذلك الكلأ امتداد عوائه فيختص هو به ويشاركهم في غيره حتى ضرب العرب به المثل ، فاقلوا : ( أعز من كليب وائل وكان يجير على الدهر فلا تخفر ذمته ) ، وهو القائل لما أجهز عليه عمرو بن الحارث
المستتجير بعمرو عند كربتــــه= كالمستجير من الرمضاء بالنار
وكان أخوه مهلهل فارسا وشاعرا مجيدا ( عدي بن ربيعة ) ، ولما نشبت الحرب واشتدت بينه وبين بني عمه بكر ، قال هذه القصيدة :
اليلتنا بذي حسم انيــــــــــــــري= إذا أنت انقضيت فلا تجـــــــوري
فإن بك بالذنائب طال ليلـــــــي= فقد أبكي من الليل القصيـــــري
وأنقذني بياض الصبح منهــــــا= لقد أنقذت من شر كبيـــــــــــــر
كان كواكب الجوزاء عـــــــــود= معطلفة على ربع كسيــــــــــــر
وتسألني بديلة عن أبيهـــــــــــا= ولم تعلم بديلة ما ضميــــــــــري
فلو نبش المقابر عن كليــــــــب= فيخبر بالذنائب أي زيـــــــــــر
بيوم العبسمين لقر عينــــــــــــا= وكيف أياب من تحت القبـــــور
وإني قد تركت بـــــــــــواردات = بجيرا في دم مثل العبيـــــــــــر
ينوء بصدره والرمح فيـــــــــــه= ويخلجه خدب كالبعيــــــــــــــر
هتكت به بيوت بني عبـــــــــاد= وبعض القتل أشفى لصــــــدور
وهمام بن مرة قد تركنـــــــــا= عليه القشعمان من النســـــــور
على أن ليس عدلا من كليـــــب= إذا طرد اليتيم عن الجـــــــــزور
على أن ليس عدلا من كليــــب= إذا رجف العضاة من الدبـــــور
على أن ليس عدلا من كليــــب = إذا ما ضيم جيران المجيــــــــر
على أن ليس عدلا من كليــــب= إذا خيف المخوف من الثغــــور
على أن ليس عدلا من كليــــب= غداة بلابل الامر الكبيــــــــــر
على أن ليس عدلا من كليـــب= إذا برزت مخبأة الخـــــــــدور
على أن ليس عدلا من كليـــب= إذا أعلنت بخيات الامــــــــور
فدي لبني الشقيقة يوم جاءوا= كأسد الغاب لجت في زئيـــر
كأن رماحهم أشطان بئــــــر = بعيد بين جاليها جــــــــــرور
فلا وأبي جليلة ما أفأنــــــا= من النعم المؤبل من بعيـــــــر
ولكنا نهكنا القوم ضربــــــا= على الاتباج منهم ولنحــــور
قتيل ما قتيل المرء عمـــــرو= وجساس بن مرة ذو ضريـــر
كأنا غدوة وبني أبينــــــــا= بجنب عنيزة رحيا مديــــــــر
فلال الريح أسمع أهل حجر= صليل البيض تقرع بالذكــور
عــــــــمرو بن كلثـــــــــــــــــــوم
هذه قصة مقتل ملك العرب عمرو بن هند علي يد عمرو بن كلثوم كما يرويها أبي عبيدة معمر بن المثني التيمي المتوفي سنة ( 209 ) للهجرة من كتاب أيام العرب قبل الاسلام وهذا الكتاب هو نادر في أخباره حيث يعتمد عليه الاخباريين في إلتقاط أيام العرب.
قال أبي عبيدة معمَر بن المثنى التيمي:
فذكروا أن عمرو بن هند ، وأمه هند بنت الحارث بن حجر بن آكل المرار الكندي وأبوه المنذر بن ماء السماء اللخمي. وماء السماء هي أمه بنت عوف بن جشم بن هلال بن ربيعة بن زيد مناة بن عمرو بن عدي بن نصر بن ربيعة بن مالك بن الحارث بن عمرو بن نمارة اللخمي. هذا نسب أهل اليمن.
قال الملك عمرو بن هند ذات يوم لجلسائه :
هل تعلمون أن أحدا من أهل مملكتي يأنف أن تخدم أمه أمي.
فقالوا:
لا ما خلا عمرو بن كلثوم فإن امه ليلى بنت المهلهل أخي كليب، وعمها كليب ، وهو وائل بن ربيعه ملك العرب وزوجها كلثوم. فسكت عمرو على ما في نفسه .
ثم بعث عمرو بن هند الى عمرو بن كلثوم يستزيره وان تزور ليلى هنداً.
فقدم عمروا في فرسان تغلب ، ومعه أمه ليلى ، فنزل شاطيء الفرات وبلغ عمرو بن هند قدومه. فأمر بخيمه فضربت بين الحيره والفرات وأرسل الى وجوه مملكته فصنع لهم طعاما ثم دعا الناس إليه فقرب إليهم الطعام على باب
السرادق(1) وهو وعمرو بن كلثوم وخواص من الناس في السرادق ، ولأمه هند في جانب السرادق قبة وأم عمرو بن كلثوم معها في القبة.
(1) السرادق :كل ما أحاط بشيءٍ من حائط أو مِضرَب وهو الفسطاط يجتمع إليه الناس لعرس أو مأتم وغيرهما.
وقد قال عمرو بن هند لأمه:
إذا فرغ الناس من الطعام فلم يبق الا الطُرَف فنحّي خدمك عنك، فإذا دعوت بالطرف ، فاستخدمي ليلى ومريها فلتناولك الشيء بعد الشيء.
يريد طرف الفواكه وغير ذلك من الطعام.
ففعلت هند ما أمرها ابنها حتى إذا دعا بالطرف قالت هند لليلى:
- ناوليني ذلك الطبق.
قالت:
- لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها.
فقالت:
- ناوليني.
وألحت عليها . فقالت ليلى :
- واذلاه .... يا لتغلب.
فسمعها إبنها عمرو بن كلثوم فثار الدم في وجهه والقوم يشربون. ونظر عمرو بن هند الى عمرو بن كلثوم ، فعرف الشر في وجهه ، وقد سمع قول أمه : واذلاه يا لتغلب ، ونظر إلى سيف عمرو بن هند ، وهو معلق بالسُّرادق ولم يكن بالسرادق سيفٍ غيره فثار الى السيف مصلتا فضرب به رأس عمرو بن هند فقتله ثم خرج فنادى :
- يا لتغلب.
فانتهبوا ماله وخيله وسبوا النساء ولحقوا بالجزيره.
وقد كان المهلهل بن ربيعة وكلثوم بن عتاب ابو عمرو بن كلثوم أجتمعوا في بيت كلثوم على شراب ، قال وعمرو يومئذ غلام وليلى أم عمرو تسقيهم فبدأت بأبيها مهلهل ثم سقت زوجها كلثوم بن عتاب ثم ردت الكأس على أبيها وابنها عمرو عن يمينها فغضب عمرو من صنيعها وقال:
صَبَنْتِ الكَأْسَ عَنَّا أُمَّ عَمْـرٍو=وَكَانَ الكَأْسُ مَجْرَاهَا اليَمِيْنَـا
وَمَا شَـرُّ الثَّـلاَثَةِ أُمَّ عَمْـرٍو=بِصَاحِبِكِ الذِي لاَ تَصْبَحِيْنَـا
فلطمه أبوه وقال:
يا لكع ( اي يا احمق ) ، بلى والله شر الثلاثة . أتجتري أن تتكلم بهذا الكلام بين يديّ. فلما قتل عمرو بن هند قالت له أمه :
( بأبي أنت وأمي ، أنت والله خيرُ الثلاثة اليوم ) .
فقال عمرو بن كلثوم معلقته الذي يصف فيها مقتل الملك اللخمي ملك الحيرة والعرب عمرو بن هند:
لسماع المعلقه:
معلقة عمرو بن كلثوم (http://www.dwaihi.com/ram/24moal2.ram)
لقراءة المعلقه :
أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِيْنَـا=وَلاَ تُبْقِي خُمُـوْرَ الأَنْدَرِيْنَـا
مُشَعْشَعَةً كَأَنَّ الحُصَّ فِيْهَـا=إِذَا مَا المَاءَ خَالَطَهَا سَخِيْنَـا
تَجُوْرُ بِذِي اللَّبَانَةِ عَنْ هَـوَاهُ=إِذَا مَا ذَاقَهَـا حَتَّـى يَلِيْنَـا
تَرَى اللَّحِزَ الشَّحِيْحَ إِذَا أُمِرَّتْ=عَلَيْـهِ لِمَـالِهِ فِيْهَـا مُهِيْنَـا
صَبَنْتِ الكَأْسَ عَنَّا أُمَّ عَمْـرٍو=وَكَانَ الكَأْسُ مَجْرَاهَا اليَمِيْنَـا
وَمَا شَـرُّ الثَّـلاَثَةِ أُمَّ عَمْـرٍو=بِصَاحِبِكِ الذِي لاَ تَصْبَحِيْنَـا
وَكَأْسٍ قَدْ شَـرِبْتُ بِبَعْلَبَـكٍّ=وَأُخْرَى فِي دِمَشْقَ وَقَاصرِيْنَـا
وَإِنَّا سَـوْفَ تُدْرِكُنَا المَنَـايَا=مُقَـدَّرَةً لَنَـا وَمُقَـدِّرِيْنَـا
قِفِـي قَبْلَ التَّفَرُّقِ يَا ظَعِيْنـَا=نُخَبِّـرْكِ اليَقِيْـنَ وَتُخْبِرِيْنَـا
قِفِي نَسْأَلْكِ هَلْ أَحْدَثْتِ صَرْماً= لِوَشْكِ البَيْنِ أَمْ خُنْتِ الأَمِيْنَـا
بِيَـوْمِ كَرِيْهَةٍ ضَرْباً وَطَعْنـاً=أَقَـرَّ بِـهِ مَوَالِيْـكِ العُيُوْنَـا
وَأنَّ غَـداً وَأنَّ اليَـوْمَ رَهْـنٌ=وَبَعْـدَ غَـدٍ بِمَا لاَ تَعْلَمِيْنَـا
تُرِيْكَ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى خَـلاَءٍ=وَقَدْ أَمِنْتَ عُيُوْنَ الكَاشِحِيْنَـا
ذِرَاعِـي عَيْطَلٍ أَدَمَـاءَ بِكْـر=هِجَـانِ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرَأ جَنِيْنَـا
وثَدْياً مِثْلَ حُقِّ العَاجِ رَخِصـاً=حَصَـاناً مِنْ أُكُفِّ اللاَمِسِيْنَـا
ومَتْنَى لَدِنَةٍ سَمَقَتْ وطَالَـتْ=رَوَادِفُهَـا تَنـوءُ بِمَا وَلِيْنَـا
وَمأْكَمَةً يَضِيـقُ البَابُ عَنْهَـا=وكَشْحاً قَد جُنِنْتُ بِهِ جُنُونَـا
وسَارِيَتِـي بَلَنْـطٍ أَو رُخَـامٍ=يَرِنُّ خَشَـاشُ حَلِيهِمَا رَنِيْنَـا
فَمَا وَجَدَتْ كَوَجْدِي أُمُّ سَقبٍ=أَضَلَّتْـهُ فَرَجَّعـتِ الحَنِيْنَـا
ولاَ شَمْطَاءُ لَم يَتْرُك شَقَاهَـا=لَهـا مِن تِسْعَـةٍ إلاَّ جَنِيْنَـا
تَذَكَّرْتُ الصِّبَا وَاشْتَقْتُ لَمَّـا=رَأَيْتُ حُمُـوْلَهَا أصُلاً حُدِيْنَـا
فَأَعْرَضَتِ اليَمَامَةُ وَاشْمَخَـرَّتْ=كَأَسْيَـافٍ بِأَيْـدِي مُصْلِتِيْنَـا
أَبَا هِنْـدٍ فَلاَ تَعْجَـلْ عَلَيْنَـا=وَأَنْظِـرْنَا نُخَبِّـرْكَ اليَقِيْنَــا
بِأَنَّا نُـوْرِدُ الـرَّايَاتِ بِيْضـاً=وَنُصْـدِرُهُنَّ حُمْراً قَدْ رُوِيْنَـا
وَأَيَّـامٍ لَنَـا غُـرٍّ طِــوَالٍ=عَصَيْنَـا المَلِكَ فِيهَا أَنْ نَدِيْنَـا
وَسَيِّـدِ مَعْشَـرٍ قَدْ تَوَّجُـوْهُ=بِتَاجِ المُلْكِ يَحْمِي المُحْجَرِيْنَـا
(حربه مع الغساسنة)
أفتك من عمرو بن كلثوم )) .
محاربته
النعمان :
=====
ظل المناذرة يناوئون بني تغلب ويحاربونهم
وأحلافهم حتى اضطرهم المنذر أخو عمرو بن هند
الى الجلاء عن الجزيرة ، فأتوا أرض الشام
وعليها الغساسنه ، فمر بهم عمرو بن أبي حجر
الغساني ، وقال ابن الأثير : بل خرج ملك غسان
وهو الحارث بن أبي شمر ، فلم يستقبلوه ،
فاغتاظ وطلب سيدهم عمرو بن كلثوم وتوعده ،
فاقتتلوا فانهزم بنو غسان وقتل أخو الحارث في
عدد كبير ، فقال عمرو بن كلثوم :
هلا عطفت على
أخيك اذا دعا
بالثّكل ، ويل
أبيك ، يا ابن أبي شمر
ثم رجع بنو تغلب الى الجزيرة ، وعلى الحيرة
أبو قابوس النعمان بن المنذر الرابع ، فأرسل
لمحاربتهم جيشا على رأسه ابنه المنذر ،
فكسرهم بنو تغلب ، وقتل المنذر بن النعمان ،
وقاتله ، مرّة أخو عمرو بن كلثوم ، والى هذه
الحادثة ، والى مقتل عمرو بن هند يشير الأخطل
التغلبي بقوله مفتخرّا على جرير :
أبني كليب ان
عميّ اللّذا
قتلا الملوك ،
وفكّكا الأغلالا
وقال الفرزدق يرد على جرير في هجائه الأخطل :
قوم هم قتلوا
ابن هند عنوة
عمرا ، وهم
قسطوا على النعمان
===============
موتــــــــــــه :
=========
عاش عمرو بن كلثوم حتى بلغ من الكبر عتيا ،
وشبعت نفسه من الغزوات والانتصارات ، وذاق من
الدهر حلوه ومره ، فلما حضرته الوفاة جمع بنيه
وأوصاهم :
يا بني ، قد بلغت من العمر ما لم يبلغه أحد من
آبائي ، ولا بد أن ينزل بي ما نزل بهم من الموت
، وأني والله ما عيّرت أحدا بشئ الا عيّرت
بمثله ، ان كان حقا فحقا وان كان باطلا فباطلا
، ومن سبّ سبّ ، فكفّوا عن الشّتم ، فانّه أسلم
لكم ، وأحسنوا جواركم يحسن ثناؤكم ، وامنعوا
من ضيم الغريب ، فربّ رجل خير من ألف ، وردّ
خير من خلف ، واذا حدثتم فعوا ؛ واذا حدثتم
فأوجزوا ، فانه مع الأكثار يكون الاهذار ،
وأشجع القوم العطوف بعد الكرّ ، كما أنّ أكرم
المنايا القتل ، ولا خير فيمن لا رويّة له عند
الغضب ، ولا فيمن اذا عوتب لم يعتب ، ومن الناس
من لا يرجي خيره ، ولا يخاف شرّه ، فبكوؤه خير
من دره ، وعقوقه خير من بره ، ولا تتزوّجوا في
حيّكم ، فانّه يؤدي الى قبيح البغض .
(الحكم بن عـــــمرو التغلبي فاتح مكران)
وقصد الحكم بن عمرو التغلبي من أمراء الانسياح بلد مكران ولحق بها شهاب بن المخارق وجاءه سهيل بن عدي وعبد الله بن عبد الله بن عتبان وانتهوا جميعاً إلى دوين وأهل مكران على شاطئيه وقد أمدهم أهل السند بجيش كثيف ولقيهم المسلمون فهزموهم واثخنوا فيهم بالقتل واتبعوهم أياماً حتى انتهوا إلى النهر ورجعوا إلى مكران فأقاموا بها وبعثوا إلى عمر بالفتح والأخماس مع صحار العبدي ونعم بسبيع وبكل القبايل لاكن لقب الغلباء لقبيلة تغلب من عنزه قبل الاف السنين