:Islam_s_105:
الدعاء من أجل العبادات وأعظمها شأناً عند الله تعالى وقد أمر الله عباده بالدعاء وتوعد من أعرض عنه، فقال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾(غافر:60)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: الدعاء هو العبادة. كما روى الترمذي من حديث النعمان بن بشير.
ولذلك فإن الواجب على أهل الإيمان التزام هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء ليتقبل الله منهم دعاءهم ويثيبهم عليه، فعلى المؤمن أن يراعي حدود الله في هذه العبادة الجليلة وأن يحذر من الاعتداء فيها, قال الله: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) ﴾ (الأعراف:55) روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس في تفسير الآية: المعتدين في الدعاء وفي غيره. فهذه الآية الكريمة أصل في النهي عن الاعتداء في الدعاء.
وحقيقة الاعتداء في الدعاءأن يتجاوز العبد في سؤال الله تعالى وطلبه، وذلك إما أن يكون بالاعتداء في نفس الطلب والسؤال أو بالاعتداء في نفس المطلوب المسؤول.
فالاعتداء في نفس الطلب إما أن يكون في صفة الدعاء أو في صيغته كأن يقول: اللهم اغفر لي إن شئت أو لا يعزم المسألة أو أن يقصد الدعاء المسجوع سجعاً متكلفاً. أو أن يطيل الإمام فيه إطالة تخرج عن السنة كما يفعله كثير من الأئمة في دعاء القنوت في رمضان بحيث يكون قنوت بعضهم بطول ما صلاه من ركعات، وهذا لا ريب أنه مخالف للسنة فإن الواصفين لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم قالوا بأن ركوعه صلى الله عليه وسلم وسجوده وإذا رفع رأسه من الركوع وبين السجدتين قريبٌ من السواء. ومن الاعتداء في الدعاء أيضاً ما يفعله بعض الأئمة من جعل دعاء القنوت موعظة يذكر فيها الدود واللحود مما لم تأتِ بمثله السنة، ومن ذلك الصياح ورفع الصوت ونحو ذلك.
أما الاعتداء في نفس المطلوب المسؤول فله صور، منها أن يسأل الله ما لا يجوز له سؤاله كأن يسأل درجة الأنبياء أو أن يجعله الله بكل شيء عليماً أو على كل شيء قديراً، أو أن لا يموت أو أن يدعو على مسلم بغير حق. ومن الاعتداء في الدعاء أيضاً ما يفعله بعض الأئمة من الدعاء على معينين من الظالمين أو المعتدين سواء كانوا من المسلمين أو من غيرهم باللعن ونحوه، فإن ذلك مما نهى الله عنه نبيه صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون) ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع، يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر: اللهم العن فلانا وفلانا لأحياء من العرب حتى أنزل الله ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾(آل عمران: 128). وذلك أنه يكفي في المقصود أن يدعو على الظالمين والمعتدين على وجه العموم. وقد سئل الإمام أحمد عن لعن بعض من اشتهر بالظلم عند ذكره فقال رحمه الله: لا يعجبني، لو عمَّ، فقال: (ألا لعنة الله على الظالمين)، وهذا هو منقول عن النخعي رحمه الله.
ومن الاعتداء في الدعاء ما يكون راجعاً إلى الداعي نفسه بأن يسيء الظن بربه أو يستعجل في دعائه. وهذا من موانع الإجابة.
وفي هذه المناسبة أوصي إخواني الأئمة أن يحرصوا على الأدعية القرآنية والنبوية فإنها قد جمعت خيري الدنيا والآخرة، ومهما بدا لأحدهم أن غيرها أوفى منها في سؤال الخير، فما هو والله إلا خيال وسراب. كما أذكر إخواني الله في هذه العبادة الجليلة فليلزموا في دعائهم حدود الشريعة فإن العواطف إذا لم تقيد بالشرع عواصف تهوي بأصحابها، وليحرصوا على الجوامع من الدعاء. ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
كتبه د.خالد بن عبدالله المصلح