تقع مزرعة فرانك سميتس الفريدة من نوعها بالقرب من مدينة دانبوس وسط هولندا، في البداية، عمل سميتس الذي لا يتعدى سنه الثلاثينات بمثابرة لمعرفة أسرار تربية الجمال وخصائص ألبانها، وأطلع عن الكثير من الدراسات من خلال شبكة الانترنت. إحدى تلك الدراسات أنجزتها المنظمة العالمية للغذاء وتقول أن تناول لبن الناقة يساعد مرضى داء السكري المزمن في مضاعفة طاقة الجسم، الى جانب عدة فوائد أخرى، وهنا تساءل صاحب الفكرة: لماذا لا يعتني أي مزارع بإنتاج هذا النوع من الألبان، ما المانع من ذلك؟!.
ويقول فراك سميتس "بعد كثيرا من والبحث والإطلاع، خصصت دراسة تخرجي من المدرسة العليا للعلوم الزراعية في دانبوسDen Bosch حول تربية الجمال وخصائص ألبانها، وقلت في نفسي سأحقق هذا المشروع هنا في هولندا... فبدأت في أغسطس آب من عام 2006 بناقتين وجمل تم استيرادهم من جزر الكناري بدعم من بلدية دنبوس، و منحتني هذه الأخيرة قطعت أرض لبناء المزرعة...وفي ظرف ثلاث سنوات تضاعف العدد إلى أربعين رأس بالإضافة إلى تسويق كمية معتبرة من ألبانها في نقاط للبيع عبر كامل هولندا."
فوائد صحية
أثبتت الدراسات التي أشرفت عليها المنظمة العالمية للغذاء (FAO) أن حليب الناقة يشبه حليب الأم لدى بني البشر من حيث خلوهما تماما من مادة "بيتا لاكتوغوبولين"beta-lactoglobuline في حين أنها موجودة في باقي أنواع الحليب، وهي المادة الرئيسية التي تسبب الحساسية من شرب الألبان. وتقول الفاو أن حليب الناقة واحد من أهم أنواع الغذاء الغنية بالفوائد الصحية. ويقول فرانك سميتس "نحن ننتج ما بين خمسين إلى ستين لتر من الحليب يوميا، ونقوم بتسويق ألبان الناقة منذ ثلاث سنوات عبر مختلف المدن الهولندية، ولحد الآن لم نسجل أية حالة حساسية تجاه هذا النوع من الحليب إلى غاية الآن."
ومن أهم الفروق المسجلة بين حليب البقر والجمال، أن هذه الأخيرة لا تحتوي على مادة "الكاسين" التي تساعد في تحويل اللبن إلى زبد أو إلى أجبان "ولهذا السبب فانه من الصعب إنتاج الأجبان من حليب الناقة، جربنا ذلك وتبين أن إنتاج كيلوغرام واحد من الجبنة يتطلب ما لا يقل عن 12 لتر من الحليب وفي النهاية سيكون سعر الكليو الواحد من جبنة الجمال في حدود المائة يورو" يضيف فرانك سميتس.
بين الناقة والبقرة
وإذا وضعت اناءين من حليب الناقة والبقرة فانك ستلاحظ أن حليب الناقة شديد البياض أما حليب البقرة فيميل إلى اللون الصفر وأكثر تخثرا، أما من ناحية الطعم فحليب الناقة حلو المذاق مقارنة مع حليب البقرة.
لكن أول سؤال يخطر على البال هو: كيف يمكن للجمال التي تنتشر في الصحراء وتعيش في مناطق قاحلة كالبلاد العربية أن تتأقلم مع مناخ هولندا البارد وكثير الأمطار والرطوبة والإخضرار؟
يقول صاحب ملبنة سميتس لإنتاج حليب الناقة "إن الجمل حيوان يعيش في الصحراء الجافة والحارة لكن درجة الحرارة هناك متقلبة ففي الليل قد تصل إلى ما دون الصفر، أما بالنسبة للجمال والنوق التي أملكها فهي تبحث عن الدفء بالدخول إلى الإسطبلات أو في حالة هطول الأمطار، إنها متأقلمة ولا تمرض إلا نادرا. هذه الجمال تتأقلم أيضا مع الأبقار الموجودة هنا وباقي الحيوانات لكنك تلاحظ أنها في فصل الشتاء تكتسي بفروة من الشعر الطويل الذي يحميها من الصقيع."
الناقة الباكستانية
يجهل الكثير من الهولنديين أسرار هذا الحيوان وإذا كانت البقرة ترمز إلى الثقافة الهولندية فالجمل هو أيضا رمز للإنسان العربي الذي يعيش في الصحراء، وقد اختار فراك سميتس تربية الجمال ذات السنم الواحد (درومادير) لأنها الأكثر إنتاجا للألبان. وتعتبر الناقة الباكستانية ذات السنام الواحد الأولى من حيث كمية الإنتاج التي تصل إلى 10.675 لتر في 305 أيام، أما الأقل إنتاجا عالميا فهي الناقة الروسية ذات السنامين حيث لا يتعدى إنتاجها من الحليب 735 لتر في 305 أيام.
سياحة من نوع خاص
لا يقتصر نشاط المزرعة على تربية الجمال وإنتاج الحليب، إنها جلبت نوعا آخر من السياحة للتعريف بهذا الحيوان. يمكن للأطفال والسياح من مختلف الأعمار زيارة المزرعة للتعرف هذه الحيوانات ونموذج تربيتها في هولندا وتذوق لبنها، وأيضا الكيفية التي يتم بها حلب الناقة، يقول فرانك "من الأفضل أن يقوم شخصان بحلبها، لأن الناقة ليس من السهل أن تدر اللبن، ولهذا السبب يترك الحوار (صغير الناقة) يرضع منها قليلا قبل عملية حلبها.
وإذا كان الشاب الهولندي فرانك سميتس نجح في تأسيس أول مزرعة للجمال وإنتاج حليب الناقة، فانه يتعاون حاليا مع جامعة فاخننغن للعلوم الزراعية في هولندا لمعرفة المزيد من أسرار هذا الحيوان الجميل.