طَرَفة بن العبد
ينتمي طرفة بن العبد إلى بني مالك بن ضُبيعة، من بطون قبيلة بكر بن وائل، وهو أحد أبرز الشعراء الجاهليين، جعله بعضهم ومنهم لبيد بن ربيعة ثاني شعراء الجاهلية بعد امرئ القيس، وفضّل ابن قتيبة في الشعر والشعراء معلقته على سائر المعلقات فقال: "وهو أجودهم طويلة"، ولكن لم يؤثر عنه إلا أشعار قليلة، ولعل ما يفسر قلة شعره مقتله المبكر وهو في السادسة والعشرين.
وتذكر الأخبار في سبب قتله أنه كان وخاله المتلمس، وهو من شعراء الجاهلية أيضاً، ممن يفدون على ملك الحيرة عمرو بن هند "عمر بن المنذر" وكان بهما حفياً، وكان لطرفة بن العبد ابن عم اسمه عبد عمرو بن بشر، ولم تكن صلة طرفة به صلة الود والمحبة وإنما كان الود مفقوداً بينهما لسوء سيرته مع أخت طرفة، فهجاه طرفة بأبيات يسخر بها منه فيقول:
ولا خير فيه غير أن لـه غنىً وأن لـه كَشحاً إذا قام أهضما
وأن نساء الحي يعكفن حولـه يقلن عسيبٌ من سَرارةِ مَلْهَما
كان من سادة قومه، وكان سميناً بادناً. فأسرّها ابن عمه في نفسه. وكان له منزلة رفيعة عند عمرو بن هند.
ثم إن ابن هند وكل إلى طرفة وخاله المتلمس ملازمة أخيه قابوس بن المنذر، وكان قابوس فتى عابثاً لا يشغله إلا اللهو والقنص والشراب، فوجدا عناءً في ملازمته، وربما أنفقا اليوم كله في الوقوف ببابه، حتى ضاقا ذرعاً بالأمر، فنقما عليه وعلى أخيه عمرو بن هند لإذلالهما على هذا النحو، وكان طرفة فتى جريئاً لا يبالي بعواقب الأمر، فجرى على لسانه هجاء في عمرو بن هند وأخيه قابوس، قال فيه:
فليت لنا مكان الملك عمرو رَغَوثاً حول قبتنا تخورُ
لعمرك إن قابوس بن هند ليخلط مُلكَه نَوك كثير
فقد تمنى طرفة لو أنهم بدلوا بعمر بن هند نعجةً تخور حول خبائهم، ورمى أخاه قابوساً بالحمق، ولكن عمرو بن هند لم يبلغه هذا الشعر، وكان طرفة قال قبل ذلك شعراً يتغزل فيه بأخت عمرو بن هند، وقد رأى ظلها، فقال:
ألا بأبي الظبي الذي يبرقُ شِنْفاهُ ولولا الملك القاعـد قد ألثمني فاه
فغضب عمرو بن هند على طرفة ولكنه أسرها في نفسه. واتفق بعد ذلك أن ابن هند خرج إلى الصيد ومعه ابن عم طرفة، فأصاب حمار وحش، فطلب الملك إلى عبد عمرو أن ينزل إليه فأعياه، فضحك عمرو بن هند، وقال له: لقد أبصر طرفة حسن كشحك حين قال شعره فيك، وفي رواية أخرى أنه شاهد كشحه وهما في الحمام، فأجابه عبد عمرو: إن طرفة قال فيك ما هو أقبح من هذا الشعر، وروى له ما قاله طرفة في هجائه، فاشتد غضبه، ولكنه لم يشأ أن يقتل طرفة فوراً، اتقاء لغضب عشيرته، فدعاه ودعا خاله المتلمس، وكان قال أيضاً شعراً في هجاء ابن هند، وقال لهما: أمضيا إلى عامل البحرين فقد أمرت لكما بجائزة، ودفع إليهما بكتاب مختوم إلى عامله، وقد أمره فيه بقتلهما.
أما المتلمس فقد شك في حسن نية ابن هند، وقال لطرفة: يا طرفة إنك غلام غِرّ حديث السن، والملك من قد عرفت حقده وغدره، وكلانا قد هجاه، فلست آمناً أن يكون قد أمر فينا بشرّ، فهلم ننظر في كتابينا، فإن يكن أمر لنا بخير مضينا فيه، وإن يكن أمر فينا بغير ذلك لم نهلك أنفسنا. فأبى طرفة أن يفك خاتم الكتاب.
فدفع المتلمس كتابه إلى غلام من غلمان الحيرة يحسن القراءة، فإذا به أمر بقتله، فألقى الكتاب في نهر الحيرة ونجا بنفسه لاجئاً إلى ملوك الشام، ونصح طرفة أن يصنع صنيعه، ولكن طرفة المغرور بمنزلته والمعتز بمنعة قومه لم يصخ لنصيحته وقال لخاله: إن كان اجترأ عليك فما كان ليجترئ علي. وهنا تختلف الروايات في مقتلة، فتذكر إحداها أن طرفة مضى إلى عامل البحرين بهجر وأعطاه كتاب ابن هند، وكان العامل من ذوي قرباه، فنصح لطرفة بأن ينجو بنفسه من ليلته هذه قبل أن يدركه الصبح، فأبى طرفة وأساء الظن بقريبه، واتهمه بأن يرغب في حرمانه من الجائزة. فسجنه العامل، وبعث إلى ابن هند طالباً إعفاءه من عمله لأنه لا يرغب في قتل طرفة، فأقاله ابن هند واستعمل مكانه رجلاً من تغلب، فدعا بكر بن وائل، قوم طرفة، وقرأ عليهم كتاب ابن هند، فهموا بقتل العامل، وعاجلهم التغلبي فأمر بقتل رجلاً من عبد القيس بقتل طرفة، ففعل. ثم طالب معبد أخو طرفة بديته، فأعطيت لـه من بني عبد القيس. وتذكر الرواية أن قبره معروف بهجر.
وتذهب الرواية الأخرى إلى أن عمرو بن هند بعث بطرفة والمتلمس إلى عامل البحرين الربيع بن حوثرة، فأخذه الربيع فسقاه الخمر حتى أثمله، ثم فصد أكحله، فمات. وفي اسم قاتله خلاف بين الروايات. وقد قالت الخرنق، أخت طرفة، وكانت شاعرة مجيدة، أبياتاً في رثاء أخيها طرفة منها قولها:
عددنا له ستا وعشرين حجة فلما توفَاها استوى سيّداً ضخماً
فُجعنا به، لما رجونا إيابه على خير حال لا وليداً ولا قَحْما
اتمنى أني امتعتكم بما جمعته عن هذا الشاعر