أكدت وزارة الاقتصاد والتخطيط في دراسة تحليلية للأزمة المالية العالمية الراهنة، أن هذه الأزمة الاقتصادية العالمية رغم ما تحمله في طياتها من سلبيات إلا أن المملكة ستستفيد منها من خلال انخفاض معدلات نمو الأسعار العالمية المتوقع للمواد الغذائية ومواد البناء وغيرها من السلع الاستهلاكية ومدخلات الإنتاج مما سيساعد في خفض معدلات التضخم.
وذكرت الدراسة أن الاقتصاد العالمي يعايش في الوقت الراهن أزمة كبرى، تذكر بأزمة الكساد العالمي World Great Depression التي وقعت في أواخر ثلاثينيات القرن الميلادي المنصرم. فانهيار الأسواق المالية حينذاك جر الاقتصاد العالمي إلى الوقوع في أزمة طاحنة، لم يتعاف منها إلا بعد سنوات، وبعد اتباع سياسات تدخلية من قبل الدول. وكانت نقطة انطلاق أزمة الكساد العالمي مطلع ثلاثينيات القرن العشرين من الولايات المتحدة، ثم تشعبت إلى باقي الدول الرأسمالية. ويتكرر هذا السيناريو اليوم وبالتسلسل نفسه، حيث اهتز البنيان المالي الأمريكي على أثر أزمة الرهن العقاري، ثم بدأ تسلسل الأحداث في باقي الاقتصادات العالمية وثيقة الصلة بالمؤسسات المالية الأمريكية، وبدأ العالم يشهد تطورات محمومة في مختلف الأسواق الشرقية والغربية، المتقدمة والنامية على حد سواء.
وكل هذا ليس إلا نتاجاً طبيعياً ومنطقياً للحرية الائتمانية المطلقة والتسهيلات الواسعة التي تمارسها البنوك الأمريكية مما أدى إلى حصول العديد من التجاوزات المتراكمة منها - على سبيل المثال - تقديم قروض لا حصر لها لجهات وأفراد لا يتمتعون بالملاءة المالية، مما نتج عنه عدم قدرة المقترضين على تسديد الديون المترتبة عليهم، وبالتالي زاد من حجم الديون المعدومة لدى البنوك إلى مستويات كارثية، الأمر الذي شكل أساس الأزمة المالية التي تجتاح القطاع المالي والمصرفي العالمي وخاصة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والعديد من دول العالم.
ولم يكن أمام صناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية إزاء هذه الأزمة الطاحنة سوى تبني استراتيجية تحمل في طياتها تدخلاً حكومياً طويل المدى في الحياة المالية والاقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية، وهو العلاج نفسه الذي تبنته بعض دول جنوب شرق آسيا خلال الأزمة المالية التي اجتاحتها عام 1986م بالتدخل الحكومي المباشر مما ساعد على امتصاص الأزمة.
يستفاد مما ورد أعلاه أن التدخل الحكومي في جميع دول العالم للحد من تداعيات الأزمة أمر لا مفر منه، ولقد أثبتت الدروس المستفادة من هذه الأزمة عدم نجاح التجربة المالية والمصرفية القائمة على ممارسات دون قيود وضوابط.
إن البيئة المالية والمصرفية في المملكة مختلفة تماماً عما كان يجري من ممارسات مالية ومصرفية في الولايات المتحدة ودول أخرى رئيسية في العالم. فالرقابة الحكومية المصرفية في المملكة تتميز بأساليب رشيدة وحذرة، كما أن التقاليد المصرفية الممارسة في المملكة تتصف بالموضوعية والاتزان.
تشير البيانات الإحصائية إلى أن الاقتصاد السعودي حقق معدلات نمو جيدة خلال السنوات الخمس الماضية، حيث بلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الحقيقية خلال الفترة (2003-2007م) نحو 5.0 في المائة سنوياً. وزاد حجم الاستثمار الكلي الحقيقي خلال الفترة نفسها بمعدل متوسط قدره 13.5 في المائة سنوياً. وقد شهدت الفترة نفسها زيادة في حجم الصادرات السلعية التي نمت بمعدل متوسط قدره 26.3 في المائة سنوياً.
ورغم أن الأزمة الحالية هي أزمة عالمية ستتأثر بها كل اقتصاديات العالم تقريباً، وقد لا توجد دولة بمنأى عن تأثيرات هذه الأزمة خاصة وأن تقديرات البنك الدولي وغيره من المنظمات الدولية تشير إلى أن معدلات النمو الاقتصادي العالمية ستشهد انخفاضاً خلال السنوات المقبلة مما سيؤثر سلباً في معدلات نمو التجارة العالمية ومعدلات التبادل التجاري للسلع والمواد الأولية والخدمات، وبالرغم من ذلك فإن تقديرات المؤسسات المتخصصة المحلية (وزارة الاقتصاد والتخطيط) والدولية مثل (صندوق النقد الدولي وبعض مراكز الدراسات المتخصصة في أكسفورد في المملكة المتحدة وغيرها) تشير إلى أن الاقتصاد السعودي سيستمر في تحقيق معدلات نمو إيجابية مطمئنة خلال الفترة المقبلة