جون دفتريوس، معد ومقدم برنامج "أسواق الشرق الأوسط CNN" الجديد يقوم بتسجيل انطباعاته ومشاهداته أسبوعياً، ويطرح من خلالها، وبلغة مبسطة، رؤيته لاقتصاد المنطقة، انطلاقاً من خبرته الطويلة في عالم الصحافة الاقتصادية.
مسار اقتصادي جديد في العالم
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- شعر المستثمرون حول العالم بنفحة من التفاؤل خلال الأيام الماضية، بعد أن اجتاز مؤشر "داو" الصناعي في الولايات المتحدة حاجز عشرة آلاف نقطة، في حيز انتاب إحساس بالمرارة سكان الدول الغربية بعدما رفعت المصارف المركزية أسعار الفائدة إثر تقدم أوضاع الاقتصاد في العالم.
ولكن هذه الموجة من المشاعر المتضاربة حجبت التركيز على حدث أساسي تمثل في ارتفاع أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها لعام 2009، مع بلوغها حاجز 75 دولاراً للبرميل، وهي مستويات مرتفعة إذا ما قورنت بما كانت الأسعار عليه في ديسمبر/كانون الأول الماضي، عندما اقترب البرميل من حاجز 30 دولاراً.
ونحن ندرك أن هذا الارتفاع هو وليد مزيج من العوامل، أبرزها ضعف الدولار وتوقع عودة الانتعاش الاقتصادي للعالم، ولكن معظم المراقبين أغفل وجود عامل أساسي يتمثل في استمرار الطلب الحقيقي القادم من الصين، التي يعتبر خبراء الاقتصاد فيها أن تسجيلها لنسبة نمو بلغت ثمانية في المائة يشكل قاعدة انطلاق للأعوام الخمسة المقبلة.
وقد شكل هذا التفاؤل القادم من الشرق نقطة توازن مع الأداء الاقتصادي الجيد في الأسواق المالية الأمريكية والأوروبية، ما دفع أصحاب نظرية وجود محركين جدد للاقتصاد العالمي إلى القول بأن ما جرى يمثل حالة "إعادة توازن للعالم."
ومن بين من يحمل هذه الأفكار محلل الشؤون الاقتصادية الصينية لدى "رويال بنك أوف اسكتلندا،" بن سيمبفندورفر، الذي يمتلك أيضاً خبرة كبيرة في النظم الاقتصادية للشرق الأوسط، ما دفعه إلى الحديث عن ظهور "طريق حرير جديد" يربط الشرقين، الأقصى والأوسط بشكل تجاري.
وفي قلب عملية التبادل هذه تبرز ثروة الشرق الأوسط من النفط والغاز، فالمملكة العربية السعودية تنتج 13 في المائة من إجمالي النفط الذي يستهلكه العالم يومياً، والذي تبلغ حصة الصين منه تسعة في المائة.
وقبل الأزمة المالية العالمية، أشار سيمبفندورفر إلى وجود "ثالوث مقدس" جديد، لا علاقة له بالدين هذه المرة، بل بالاقتصاد، وتتكون أضلاعه من الصين والشرق الأوسط والولايات المتحدة، فالشرق الأوسط ينتج الطاقة ويبيعها للصين التي بدورها تستخدمها في تصنيع المنتجات وبيعها للولايات المتحدة.
ولكن الأزمة دفعته للقول أن هذا الثالوث تعرض للكسر، ورغم أن هذا الكسر قد لا يكون دائماً، إلا أنه سيبقى فترة طويلة من الزمن تكفي لظهور إعادة توازن جديدة في الأسواق، وهذا الأمر يناسب السعودية التي يقول سيمبفندورفر إنها كانت تبحث عن طرق لوضع حد للشكل الحالي من العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة.
ويقول سيمبفندورفر إن الصين قامت خلال الفترة الماضية بمقاربة علاقتها مع إيران والسعودية بشكل يشبه ما تفعله في أفريقيا، من خلال فصل الاقتصاد عن السياسية، لكنه لم يخف تساؤله عن مدى قدرة بكين على الاستمرار بهذا النهج لفترة طويلة.
ويضع المحلل هذه الأفكار في إطار الحديث المتزايد في الأوساط الدولية حول قدرة الولايات المتحدة على صون موقعها كأكبر قوة عسكرية في العالم، باعتبار أن تراجع هذه القوة قد يؤدي إلى ضعف الدولار مع مرور الوقت.
وكانت العملة الأمريكية قد تعرضت لضغوطات كبيرة مؤخراً بعد شائعات حول وجود مفاوضات خلف الكواليس بين الصين وروسيا ودول الخليج لاعتماد عملة جديدة لتسعير النفط بعيداً عن الدولار، ويعتقد سيمبفندورفر أن انسحاب واشنطن من العراق أو أفغانستان في هذه الفترة سيكون له آثار سلبية تسرّع هذا السيناريو المقلق بالنسبة للولايات المتحدة.
وكان لأحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، وما رافقها من تبدلات في أمريكا آثر على علاقتها بالمنطقة، وقد سارعت الصين إلى ملء هذا الفراغ، فباتت الشريك الاقتصادي الأول للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي تنظر للمنطقة التي تضم 300 مليون مستهلك على أنها سوق واعدة من حيث الفرص التي تقدمها.
ويشرح سيمبفندورفر هذا الأمر بالقول: "يجب أن ننظر إلى العالم من منظور جديد، والعلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين الأسواق الشرقية نفسها بدأت تكبر وتشتد قوة."
ويعتبر سيمبفندورفر أن تحليله ينطبق على ما يصفه بـ"الممر الإسلامي" الذي يمتد من الشرق الأوسط حتى جنوب شرقي آسيا، فالعلاقات تشتد مثلاً بين الكويت وماليزيا، وكذلك دبي وجيبوتي، وهناك فضاء مشترك بين دول العالم الإسلامي يتجه نحو الاتساع.
وبالنسبة للطرق التي حكمت التجارة الدولية في السنوات الماضية، والتي تتمثل بطريقي الحرير والتوابل، فإن روحها وحيويتها بخير وفي أعلى مستوياتها، والمتغيّر الوحيد في القرن 21 قد يكون وسائل النقل الحديثة.