أيها العالم شدوا الأحزمة
د. عائض القرني
الثلاثـاء 14 شـوال 1429 هـ 14 اكتوبر 2008 العدد 10913
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: آفــاق أسـلامـيـة
أعلن الرئيس الأمريكي قبل أيام أن أمريكا في خطر، ويقصد بذلك تدهور الاقتصاد، وأقول: إن العالم في خطر منذ أن نزل آدم من الجنة إلى الدنيا، فليس في الدنيا ما يمكن الوثوق به والركون إليه إلا الله وحده، لا تظن أنك سوف تبقى غنياً أبداً، وأن المال حصنك الحصين أمام الأزمات والكوارث، فالغني يفتقر والثري يفلس والعملة تتبدل وتتغير قيمتها، فلا تثق بصحتك وتظن أنك ستبقى قوياً مكتمل الشباب تام الفتوة مفتول العضلات، فالهرم قادم والشيخوخة مقبلة والمرض زائر مفاجئ، ولا تركُنْ إلى الأبناء وتعتقد أنهم العدة وقت الشدة والملاذ عند الأزمات؛ فقد يخرج منهم العاق المارد والجاحد الكنود، ولا تثق بالعشيرة والقبيلة والأسرة وتظن أنهم الدروع الضافية والحصون الواقية؛ فقد يخذلونك أحوج ما تكون محتاجاً لنصرتهم، ولا تفرح بالمنصب وتطمئن إليه؛ فالكرسي دوار والأيام دول، وقد يأتيك خبر العزل من المنصب أسرع من البرق الخاطف، فتعود إلى بيتك بلا إمارة ولا سفارة ولا وزارة ولا تجارة وتسكن في عُشّة بعد العمارة، ولكن كن كما قال الله تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) وقوله تعالى: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ). ونحن البشر في ورطة منذ أن خُلِقنا وسقطت رؤوسنا على الأرض كما قال تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ فِي كَبَدٍ)، ولله در الشاعر حين أجاد في قوله:
* وَلَدتكَ أُمُّكَ يا ابنَ آدَمَ باكِيا - وَالنّاسُ حَولَكَ يَضحَكونَ سُرورا
* فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا - في يوم موتك ضاحكاً مسرورا
* ويرى صديقي وزميلي أبو الطيب المتنبي أن الأحمق صراحة من يستعزُّ ويتقوى ويثق بالأمور الفانية فيقول:
* فالموت آتٍ والنفوس نفائسٌ - والمستعزُّ بما لديه الأحمق
* وفي كتاب (الإيمان) للرئيس الأمريكي الأسبق (كارتر) يقول: إنه إذا عصفت به الأزمات في البيت الأبيض لجأ إلى الله وقصده على طريقته المحرفة المنسوخة. وذكر الرئيس الأمريكي السابق (جورج بوش الأب) في مذكراته «سيرة إلى الأمام» أنه حضر جنازة رئيس الاتحاد السوفياتي السابق (ليونيد برجنيف) قال: «فوجدتها جنازة مظلمة لا نور فيها»، قلت: لأن بوش مسيحي أقرب إلى الهداية، وعنده بصيص من نور و(برجنيف) ملحد لا يؤمن بالله، فكيف لو عرف بوش الإسلام الدين الحق، إذن فنحن منذ أن وُجِدنا على هذا الكوكب ونحن في خطر من الموت والمرض والحرب والفقر والظلم والهم والكوارث والأزمات، وليس لنا من حلٍّ إلا الفرار إلى الله بتوحيده وعبادته كما قال تعالى: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ).
وأمريكا الإمبراطورية العظمى في هذا العصر سوف تدركها سنة الله في الأمم والدول كما ذكر ذلك ابن خلدون في مقدمته. وسوف تضعف ويأتي غيرها كما قال تعالى: (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ). وذكر الرئيس الأمريكي السابق (رتشارد نيكسون) في كتابه «الفرصة السانحة» أن الصين قادمة لتأخذ مكانة أمريكا بالقوة والهيمنة. قلت: بل هي دورة التاريخ وسنة الله في عباده، وكل أمة أخذت دورتها من السؤدد والارتقاء ثم هبطت لتأتي أمة أخرى تأخذ الدور والقيادة، وليت البشرية في أزماتها ومصائبها وكوارثها تعود إلى ربها وخالقها لعبادته وحده ـ جل في علاه ـ واتباع رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.
وإن كانت أمريكا في خطر كما يقول (جورج بوش)، فالكون كله في خطر؛ لأن العالم سوف ينتهي كما قال تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ)، أين الآشوريون والكلدانيون والكنعانيون؟ أين ذوو التيجان والسلطان والهيلمان والإيوان؟ صاروا خبراً بعد عين وحكاية حلوة في المجالس وسالفة غريبة في النوادي، وقصة مؤثرة في بطون الكتب. يقول زميلي وصديقي أبو الطيب:
* أَينَ الجَبابِـرَةُ الأَكاسِـرَةُ الألى - كَنَزوا الكُنوزَ فلا بَقينَ وَلا بَقوا
* مِن كُلِّ مَن ضاقَ الفَضاءُ بِجَيشِهِ - حَتّى ثَوى فَحَواهُ لَحدٌ ضَيِّقُ
انتهى مقال الشيخ .
يامن انشغلت بأزمة العالم المالية لا تنسى أزمتك القادمة في يوم الحساب