3- حج الشبلي, فلما وصل إلى مكة جعل يقول:
أبطحاء مكة هذا الذي أراه عياناً وهذا أنا ؟!
ثم غشي عليه ,
فأفاق وهو يقول :
هذه دارهم وأنت محب ما بقاء الدموع في الآماق
4- عن عبد العزيز بن أبي روّاد قال :
دخل مكة قومٌ حجاج ومعهم امرأة وهي تقول :
أين بيت ربي ؟
فيقولون: الساعة ترينه . فلما رأوه قالوا : هذا بيت ربك, أما ترينه ؟
فخرجت تشتد
وتقول: بيت ربي, بيت ربي, حتى وضعت جبهتها على البيت . فوالله ما رفعت إلا ميتة .
5 - خرجت أم أيمن بنت علي - امرأة أبي علي الروذباري - من مصر وقت خروج الحاج إلى الصحراء
والجِمال تمر بها وهي تبكي وتقول :
وا ضعفاه , وتنشد على إثر قولها :
فقلت : دعوني واتباعي ركابكم *** أكن طوع أيديكم كما يفعل العبد
وما بال زعمي لا يهون عليهم *** وقد علموا أن ليس لي منهم بد
وتقول :
هذه حسرة من انقطع عن البيت ,
فكيف تكون حسرة من انقطع عن رب البيت
5- كان السلطان أبو الفتح ملكشاه ابن السلطان ألب أرسلان صاحب لهو وصيد وغفلة ..
صاد يوماً من الأيام صيداً كثيراً فبنى من حوافر الوحش وقرونها منارة
ووقف يتأمل الحجاج وهم يقطعون أرض العراق يريدون البيت الحرام
فرّق قلبه فنزل وسجد وعفر وجهه وبكى ....
لقد رق قلبه لما رأى الحجيج يجوزون من حوله,
كيف لو كان معهم ؟!
كيف لو جللّته ثياب الإحرام ؟
كيف لو عاين بيت الحرام ... ؟!!
وإذا كان التاريخ قد حفظ لنا ثلة من الآخرين,
قد تقطعت قلوبهم شوقاً للبيت ورغبة في الحج,
ففي الآخرين ثلة أيضا,
لم تلههم تجارة , ولم تفتنهم حضارة ,
فسبحان من يلقي الشوق والرغبة في قلب من شاء ..
6- قال الشيخ إبراهيم الدويِّش :
ذكر لي أحد الثقات العاملين على استقبال الحجاج في مدينة جدة
أن طائرة تحمل حجاجاً من إحدى الدول الآسيوية وصلت في ثلث الليل الأخير أحدى الأيام.
قال: كان أول الوفد نزولاً امرأة كبيرة السن
فما أن وطئت قدماها الأرض إلا وخرَّت ساجدة .
قال: فأطالت السجود كثيراً حتى وقع في نفسي خوف عليها.
قال: فلما اقتربنا منها وحركناها فإذا هي جثة هامدة .
فعجبت من أمرها وتأثرت بحالها فسألت عنها فقالوا : منذ ثلاثين سنة
وهي تجمع المال درهماً درهماً لتحج إلى بيت الله الحرام.
7 - ذكر الشيخ عبد الكريم الخضير أن رجلاً من مدينة الرياض كان صائماً يوم عرفة فأبصر عبر الشاشة
الجموع تتحرك إلى ربوع عرفة فحركه الشوق و غالبته الدمعة و حنَّ إلى تلك المشاعر
فطلب من ابنه أن يلحقه بهم فتحرك من مدينة الرياض و أدرك الحجيج بعرفة
كأني يبعث بالأشواق قائلاً :
خذوني خذوني إلى المسجد *** خذوني إلى الحجر الأسود
خذوني إلى زمزم علَّها *** تبرد من جوفيَ الموقد
دعوني أحط على بابه *** ثقال الدموع وأستنفد
فإن أحيا أحيا على لطفه *** وإن يأتني الموت أستشهد
8- هذا رجل يبصر قوافل الحجيج فتعبث به الأشواق و تعتريه الهموم و الأحزان
فأي مشهد يبعث الحزن للقاعدين عن الوفود إلى بيت الله كمشهد قوافل الحجيج
بحدائها الشجي و بمنظرها البهي
فحق للقلوب أن تحزن
و حق للجفون أن تعاف الغمض
وحق للعيون أن تذرف الدمع
أسفاً على فوت الرحيل إلى أرض الحجيج
فلم يملك صاحبنا إلا أن يرسل لتلك القوافل :
يا راحلين إلى منى بقيادي *** هيجتموا يوم الرحيل فؤادي
سرتم و سار دليلكم ياوحشتي *** الشوق أقلقني و صوت الحادي
حرمتموا جفني المنام ببعدكم *** ياساكنين المنحنى و الوادي
و يلوح لي ما بين زمزم و الصفا *** عند المقام سمعت صوت منادي
و يقول لي يانائم جد السُرى *** عرفات تجلوا كل قلب صادي
من نال من عرفات نظرة ساعة ***نال السرور و نال كل مرادي
تالله ما أحلى المبيت على منى*** في ليل عيد أبرك الأعيادي
ضحوا ضحاياهم و سال دماؤها *** و أنا المتيم قد نحرت فؤادي
لبسوا ثياب البيض شارات الرضا *** و أنا الملوع قد لبست سوادي