كتبَ في مطلع وصيته " يابني لا تقصص رؤياك على إخوتك "
لم يكن بحكمة يعقوب ولن تكون تلك الرؤى علامات النبوة
عاش لا يعرف من الحياة سوى أحلام لم تتحقق وأماني صغيرة لم تكبر على أرض الواقع يبني صروحاً منها في مُخيلته فتهوي كما وأن لم يكن شيء .
إقتربَ من كُراس وصيته وبدأ يرسم في ليلةٍ كانت أشبه بـ ليلى
رسمَ خرائط رمادية تحكي حجم تلك الأحلام والأماني وتبحث عن ألوانٍ تجعل منها حقائق
إحدى تلك الخرائط تؤدي إلى وجه بملامح شاحبه وحجاب أسود , كتب بجانبها " ليلى "
ولا أعلم كيف خط ذلك المحيا وكأنــه لم يكن لـ بشر . . أيضاً لم يكن لـ " ملاك "
ربما كان مسخاً لـ أشياء تجمعت لا تحمل هوية
,
في منتصف الوصية كتبَ . . رجل بأحلامٍ رثــه
كان يجلس مع أبويه قبل ذلك بعد سنين . . ولا يعني أمه وأباه
سألهم عن من منهما أحق بصحبتــه .!
أ من أنجبه أم من ربَّاه ,
وهل يختلف سريان الدم والماء في تقديم الصُحبة , وبكى بحرقــةٍ.!
ثم إنصرف يُقلب الذاكرة والأيام ويعود مجدداً
ويسألهما . . من أبي .!
من أحق بصحبتي .!
ثم لم يهتدي . . ولم يهدأ . . وأيضاً بكى .! لم يحترق لأنه رماد في الثانية .
خرج وأحس بأن الهواء " بعثره " ثم لم يلملمه , ثم إلى نفس السؤال يعود
من أبي . . من أحق بصحبتي .!
,
إستيقظ من الواقع . . وكتب عن أحلام كان يعيشها وأصبحت . . رثــه . . مُنبثـــه
في السطر الثالث بعد المنتصف كَتَبَ . . إلهى لم يبقى من الأماني سوى " الجنة "
ترك السطر السادس فارغاً
ودوَنَ قبله. . إليك بُني , في سطرين
كنت لا أظن أن هناك بشر أسعد مني بـ أبي
كان يلازمني منذ أن عرفت أن هذا الرجل يُدعى أبي
لم يتركني للحظة . . يأخذني معه حيث ذهب ويعود بي مُبجلاً بكل ما أشتهي
ولم تكن رغبة الشراء شيء يفرحني أكثر من فرحتي بإمتلاء تلك الغرفــة بالحاجيات التي سوف تغضب والدتي بـ " تناثرهــا " كان هدفي غضبها في الحقيقة لكي تعاقبني وأنام مكانها في أحضان أبي ليلاً معاقبتاً لها على عقابي , كنت أشعر به أكثر من مجرد أب .
تخيل أن يصل بك الخبث أن تحرم أمك من أباك . . تلك كانت حيلتي التي إعتاد عليها ووضع لي فِراشاً بقربه وتركت غرفتي .!
وأصبحت أنام دون أن اصرخ أو أن أخاف من تلك الحاجيات التي أراها " أشباحاً " وأنا نائم
كبرت قليلاً , وعرفت أنه لابد أن أعود للوحدة في نومي , كنت أحمد الله أنه لايوجد سواي في البيت حيث أن امي لم تنجب غيري وكنت أيضاً أدعوه بأن لا ترزقهما غيري , لكي لا يخلفني في مكاني عند أبي.
لن أستطيع أن أصف لك مقدار ذلك الحب وتلك النرجسية.
لكن سأصف لك مقدار الفاجعة والخيبة والألم والحزن الذي إمتزج بعد أن عرفت أن أبي لم يكن أبي وأن أمي إختارت رجلاَ عقيماً لا ينجب بعد طلاقها من أبي الآخر لكي يحافظ عليَّ .!
لا تخف أنت إبني . . .
كنت قبل عِلمي بهذه الفاجعة أحلم بالكثير . .
وكان يُهيئ لي أبي العقيم كل شيء يؤدي إلى تحقيق حلمي
وكنت أقترب من كل حلم خطوات حتى كدت أصل لمعظمها لولا . . . خروج أبي الذي أنجبني
أبي الذي قتل بداخلي أبي
أبي الذي جعل من تلك الأحلام رثــه لا تجد من يعتني بهــا ولا يجب أن أعتني بها في ظل هذه الفاجعة
أبي الذي جعلني أعود للبحث من جديد عن الحياة
كنت قد نجحت من هذه المرحلة وبدأت أحلم بشيء أكثر من أن أكون حياً
أبي الذي كفن كل تلك الأيام
وجعلني أشيعها وأضعها في تابوت الذاكرة
أبي الذي جعلني ألعن الدماء والماء الذي نتقاسمه
أبي الذي جعلني أبكي ثكلاً على أماكن أكلي وشربي ونومي
من أبي ومن منهما أحق بصحبتي
وضع بجانب ليلى سهم يؤدي إلى فراغ في تلك الرسمة .!
يابني لا تقصص رؤياك على إخوتك
2009
وطن .!