فوجدت أبا بكر محتبسا بالناس ، فبلّغت أبا بكر السلام والرسالة قال بلال : فأقمت الصلاة فلما بلغــــــــــــــــت:-
( أشهد أن محمدا رسول الله ) غلبني البكاء ، فبكيت وبكى الناس فتقــدم أبا بكر رضي الله عنه فأم الناس ، واستفتح الفاتحة ثم قرأ ، فلما نظر إلـــــــــى موضع أقدام النبي صلى الله عليه وسلم خنقته العبرة فبكى وبكى الناس مـن خلفه ، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم ضجة الناس بالبكاء قال لفاطمة : " ما هذه الضجة التي في المسجد ؟ " ، فالت فاطمة : إن المسلمــــــــــين فقدوك وقت الصلاة . ثم وجد النبي صلى الله عليه وسلم خفةً في بدنــــــــــه فتوضأ وخرج متوكئاً على الفضل بن عباس وأسامة بن زيد علي بن أبـــــي طالب فلما رأى المسلمون نبيهم .. لما رأى المسلمون حبيبهم .. لــــــما رأى المسلمون نوراً تدفق إلى المسجد في إقبال النبي صلى الله عليه وسلــــــــــم وأحسوا بمجيئه جعلوا ينفرجون حتى وصل النبي ، فوقف بازاء أبي بــــــكر وصلى بالناس ، فلما فرغ رقى المنبر يخطب في الناس ، فحمد الله وأثنـــــى عليه ثم أقبل للناس بوجهه الكريم كالمودع لهم فقال : " ألم أبلغكم الرسالــة ، وأؤدي الأمانة والنصيحة ؟ " ، قالوا : بلى يا رسول الله قد بلّغت الرسالـة ، وأديت الأمانة ونصحت الأمة وعبدت الله حتى أتاك اليقــــــين ، فجزاك الله أفضل ماجزى نبي عن أمته . ثم نزل فودع أصحابه ، وعاد إلى عائشـــــــــة
وذكر القسطلاني ( في المواهب اللدنية ) قال : نعي إلى النبي صلـــــــى الله عليه وسلم نفسه قبل موته بشهر فلما دنا الفراق يقول الراوي : دخلنا عـلى النبي صلى الله عليه وسلم - والراوي هو عبد الله بن مسعود - في بيت أمـنا عائشة فنظر إلينا ودمعت عيناه ، فقال : " مرحبا بكم ، حيّاكم الله ، آواكــــم الله ونصركم الله ، أوصيكم بتقوى الله وأستخلفكم الله عــــــليكم وأحذركم الله إني لكم منه نذير مبين ألا تعلوا على الله في عباده وبلاده فإنه قال لي ولكــم ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فســــــــــاداً والعاقبة للمتقين ) . وكان عنده صلى الله عليه وسلم سبع دنانير فأمــــــــــر عائشة رضي الله عنها أن تتصدق بها ، ثم قال بعد أن وضعها في كفه وهــو ينظر إلى سبعة دنانير يقول : " وما ظن محمد بربه لو لقي الله محمداً ربــه وهذه عنده " . ثم تصــــدق بها كلــــــــــــــها .
وعن فاطمة رضي الله عنها قالت - لما صار يتغشاه الكرب -: وكرب أبـــتاه . قال صلى الله عليه وسلم : "ليس على أبيك كرب بعــــــــــــــــــد اليوم " .
وجاء عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال : " لا إلـــــــــــه إلا الله إن للمــوت لسكرات ، اللهم أعني على سكرات الموت ، اللهم أعني على كُرَب الـموت " ، ولم يزل صلى الله عليه وسلم في مرضه هذا ، ثم هبط جبريل عليه السـلام وجلـــس عـــــــند رأسه وقال إن الله يقرئك السلام ويقول : ( كيــــــف تجــد نفسـك - وربك أعلم بالذي تجد منك - فقال صلى الله عليه وسلم : " أجد ني يا جبريل مغموما ..أجدني يا جبريل مكروبا ثم أتاه جبريل عليه السلام فــــي اليوم الثاني فقال له مثل ذلك ، فقال :" يا جبريل إن ملك الموت قد استـــأذن وأخبرني بالخبر، فقال : ( يا محمد إن ربك مشتاق ، وأنت تعلم ما أراد مـنك ربك ) ". ثم إنه صلى الله عليه وسلم لما قُبضت روحه ... وصعدت روحــــه الشريفة إلى الملأ الأعلى ، والرفيق الأعلى إلى ربنا عز وجل ... لما صعـدت روحه الشريفة دخل عليه الناس وكان قبل موته صلى الله عليه وسلم قــــــد استأذنت فاطمة فأذن لها ، وقال : " ادني مني يا فاطمة " فانكبت عليـــــــه تبكي بكاءً طويلا وعيناها تذرفان وما تطيق الكلام ، ثم أدنت رأسها فانكبــت على والدها صلى الله عليه وسلم فأكبت تقبله ثم عاد صلى الله عليه وسلــــم يناديها ، فرفعت رأسها وهي تبتسم ، قال الذين شهدوا : فرأينا عجبا ، أكبت فاطمة على أبيها تبكي ثم رفعت رأسها تبتسم . فكان آنذاك أن النبي صلـــــى الله عليه وسلم أخبرها بدنو أجله وفراقه الدنيا فبكت ، ثم دعا النبي صلـــــى الله عليه وسلم ربه أن يجعلها أول أهله لحوقا به وأن يجعلها معـــــــه فــــي منزلته ودرجته صلى الله عليه وسلم فتبسمت ، فقال جبريل حينئذ : عليــــك السلام يا رسول الله هذا آخر ما أنزل به إلى الأرض فقد طوي الوحي ، ومــا كان لي حاجة بال دنيا إلا حضورك إنما كنت صاحبي في الدنيا…
وعن عائشة رضي الله عنها أنه قالت : أُغمي على رسول الله صلــــــى الله عليه وسلم في حجري ، فجعـــلتُ أمسح وأدعـــــو لــه بالشفاء فـــتلما أفـاق قال : " أسأل الله الرفيق الأعلى مع جبريل والملائكة "0000
وذكر الواقدي أن بعض الصحابة قالوا : يا نبي الله من الذي يلي غُســـلك ؟ - من يغسلك؟ - قال : " رجل من أهل بيتي " ، قالوا : ففيما نكفنك ؟ قــال : " ففي ثيابي هذه " ، قالوا : كيف الصلاة عليك منا ؟ وبكينا قال : " غــــفر الله لكم وجزاكم عن نبيكم خيرا ، إذا غسلتموني وكفنتموني فضعوني عـــلى سريري في بيتي هذا على شفير قبري ثم اخرجوا عني ساعة ، فإن أول مـن يصلي علي جبريل عليه السلام ، ثم ميكائيل ، ثم ملك الموت ومعه جنود من الملائكة بأجمعِهم ، ثم ادخلوا عليّ فوجا فصلوا علي وسلموا تسليما ويبـــدأ بالصلاة عليّ رجال من أهل بيتي ، ثم نسائهم ثم أنتم " ، ثم اشتد به الأمـــر صلى الله عليه وسلم ، حتى أن وجهه الشريف ليرشح بالعرق .
قالت عائشة رضي الله عنها : ما رأيتُ رشحا من أحد قط مثلما رأيت مــــن النبي صلى الله عليه وسلم ، وما وجدتُ لذلك رائحة أطيب منه ، فكنت أقـول : بأبي أنت وأمي مـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـا تلقاه مــــــــــــــــــــــــن الرشــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــح ؟ فــقال :" يا عائشـــــــــــــة
إن نفس المؤمن تخرج في الرشح وإن نفس الكافر تخرج كالحمــــــار " ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة من ماء فجعل يدخـــــل يديه ويقول : " لا إله إلا الله إن للموت لسكرات ، لا إله إلا الله إن للـــــموت لسكرات " ، ثم لفظ صلى الله عليه وسلم يديه وهو يقول :" اللهم الرفــــيق الأعلى " حتى قضى نحبه….
وكان آخر ما قال صلى الله عليه وسلم : " لعن الله اليهود والنصــــــــــارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " - من عنايته بالتوحيد صلى الله عليه وســـلم - وكان وهو يعالج سكرات الموت يحرض ويؤكد على التوحــــــــــــــــــــــيد ، ثم قال : " اشتد غضب الله على قوم جعلوا قبور أنبيائهم مساجـــــــــــد " ، وكان من آخر ما قال صلى الله عليه وسلم : " الصلاة ..الصلاة .. الصــلاة الصـــــــــــــــــــــــــــــــــــلاة ، وما ملكت أيمانكم " .
-هذه الصلاة يا عباد الله التي ضيعها كثير من المسلمين فلا يشــــــــهدونها ويؤخرونها عن وقتها هي من أواخر ما قال صلى الله عليه وسلم ……
وروى ثابت عن أنس رضي الله عنه أنه قال : لما ثقل النبي صلى الله عليـه وسلم جعل يتغشاه الكرب فقالت فاطمة : وا كرب أبتاه ، فقال صلى الله عليـه وسلم : " ليس على أبيك كرب بعد اليوم " ، فلما مات صلى الله عليه وسلـم قالت : يا أبتاه إلى جبريل ننعاه ...، فلما دفن قالت : كيف طابت أنفسكـــم أن تحثوا التراب على نبيكم - صلى الله عليه وسلم …
وقد تولى غسله صلى الله عليه وسلم أهل بيته ومنهم عمه العباس وعـــلي والفضل وأسامه بن زيد وصالح مولاه رضي الله عنهم وتولى على رضــــي الله عنه غسل وجهه بنفسه وأسنده إلى صدره وعـــــــــليه قميصه وهــــــو يقول : بأبي أنت وأمي ما أطيبك حيّا وما أطيبك ميتا . وأنزله عمه العـــباس في قبره وعلي وقثم بن العـــــــــــــــــباس ...
وكانت وفاته صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ، فلما مات صلى الله عليـــــه وسلم أظلم ذلك اليوم في المدينة ، وعـــــلت الأصـــــوات ، وبكــــــــــــــــــى الناس ، واضطرب المسلمون اضطرابا شديدا.
فكان منهم من دُهش ومنهم من خلّطَ في كلامه وخَلَط ، أما عمر رضــي الله عنه فإنه قال : إن رسول لم يمت وإنما وعده ربه كما وعد موسى عليـــــــه السلام ، وهو آتيكم . وقيل قال عمر رضي الله عنه : أيها الناس كفـــــــــــوا ألسنتكم عن رسول الله - من هول الفاجعة .. من شدة المصيبة ،لم يصــــدق أن نبيه مات - فإنه لم يمت ، والله لا أسمع أحدا يذكر أن رسول الله قد مــات إلا قتلتـــــــــــــــــه بسيــــــــــــــــــفي…..
تابـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــع